إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

أنا أكره الضحك؟


الكاتب : فارس حباشنة

عمان جو - في غمرة صوم رمضان وليالي السهر الفردي الطويل،وانا اتابع شاشة التلفزيون، وابحث عن موطن لعمل درامي رمضاني استقر بفضول واندهاش وتشوق على متابعته. خطر على بالي سؤال لماذا نضحك؟

عالم النفس الشهير سيجموند فرويد قال عن الضحك: انه مرادف للهو حيث انه يقوم على مبدا اللذة، حيث ان الانسان بصفة عامة يحتاج الى المواقف التي تؤدى الى الحصول على اللذة ويتجنب الالم.

وانا ابحث في الكوميديا والكاريكاتور والكتابة الساخرة عن ذلك البعد بنكران الواقع والتحرر منه. فماذا وراء الضحكة والابتسامة يرشح وسيلة هروب نفسية على مستوى اللاشعور والعقل الباطن. وتماما كما ان الواقع يرشح معطيات تراجيدية ماساوية ومحزنة ومؤلمة وبائسة وموبوءة، فياتي الضحك كمذاق مر والاليم من الاعماق الانسانية، وليعبر عنه بصورة الفرح والسعادة.

العرب عبروا في موروث امثالهم وحكمهم عن خوفهم من الضحك الزائد. وقالت العرب ما زاد عن حده قلب ضده. وابو تمام قال: السَّيْفُ اصْدَقُ انْبَاءً مِنَ الكُتُبِ / في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ. وامرؤ القيس: لا صحو اليوم ولا سكر غدا / اليوم خمر وغدا امر.

وما قد قاله الفليسوف والشاعر الفرنسي بول فاليري: ان الاغبياء لا يقيمون حدا عازلا بين الضحك والبكاء والجد والهزل واللعب، واليوم وغدا ما بين السكر والامر كما عبر الملك الضليل امرؤ القيس.

في الكشوف الادبية والفنية الكوميدية فكلما صادفت ضحكا، فحفر في القاع الانساني والاجتماعي عن معادلة لكوابيس وشرور سايكولوجية وسلطوية واقتصادية قمعية وعنفية. فالانسان المعاصر في زمن كورونا وقبلها في ذرورة الاكتئاب والانفصام والشفروزنيا، ومع المفارقات ان القمع السياسي والاضطهاد الطبقي،والاستبداد السياسي مولد للسخرية والضحك بكل انواعه.

محمد الماغوط تعلم قيمة الضحك وابدع في الكتابة الساخرة بعدما ذاق طعم الاعتقال والسجن. ومحمد شكري في المغرب الاطلسي عرف كيف يتملص من العنف والقمع الطبقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالسخرية والضحك، والتملص من فوارق الاخر بالعبارات البلاغية والمجازية المعرية للمجتمع والواقع. وكيف عاش شكري خائفا من الابتسامة والضحك، وتستر وراء جشامة وعبوس الوجه في مجتمع مفعم بالفوارق والتناقضات والكراهية الاجتماعية والحضارية في حقبة الاستعمار الاسباني لشمال المغرب.

كلما فكر الانسان في الحياة ونهايتها وجوديا، فيبحث عن ضحكة وابتسامة ونكتة سريعة وخفيفة ليعبر من دائرة الاسئلة الثقيلة والمقلقة. وكما قال المتنبي: انه ضحك كالبكاء. واهم ما لا يطمئن اليه الانسان هو مصير حياته، والى اين هو ماضي وما هو مصيره؟ واستهلالات ما بعد الموت، والموت بسبب فايروس لا مرئي، ولعنة سخافة وسذاجة وببساطة الحياة والعيش في القرن الحادي والعشرين.

لا يعرف الانسان، متى ستكون النهاية بعد مئة عام واقل او اكثر، سيزول الكون، وتنتهي الحياة، ويكون الموت جماعيا، والنهاية للعالم اجمع. لولا الموت والفواجع والاوبئة لما ضحك الانسان، لا فكر ان ينتج نكتة وسخرية ومفارقة.. وبعيدا عما يبث على شاسات التلفزيون من كوميديا سخيفة وساذجة، وما يكتب من مقالات ساخرة، فاضحاك الناس مهمة ادبية وفنية صعبة.

الاديان والعقائد لم تقول رايها في السخرية والضحك. ولم تقل الاديان ان الضحك حلال ام حرام، ولم تضع شروط وضوابط ومعايير فقهية وشرعية للضحك، ولم تقل ايضا ان الضحك من جزاء للمؤمنين او عقاب للكفار مثلا. يعني ان الضحك سيكون في جداول الثواب والعقاب في الجنة والنار.

وما سمعنا من روايات عن الاقدمين من السلف الصالح والتابعين والاولياء بانهم اولوا اهتماما بالضحك والسخرية. فهل منظور الاديان في ميكانزيم عقائدها ان الانسان لا يحتاج الى الضحك والسخرية، وان الاديان فكت وحلت وعالجت عقدة الشقاء والتعاسة الانسانية حتى حرمة الانسان من الضحك والبكاء؟! والانسان تميز عن بقية الكائنات بالعقل والضحك والبكاء.

في قراءة النكتة والسخرية فانها تشتد في مجتمعات تشح بها الحرية.و تزدهر نكات الجنس والجنسانية في المجتمعات المكتوبة، ويستنطق الكتاب الحيوانات والطيور، وهي من حيلة في تاريخنا العربي دافع ثمنها ابن المقفع في كتاب كلية ودمنة، وقتل شويا على النار.

تخليوا لو نصحو ذات يوم من النوم، ولا نجد احدا يضحك، والناس مصابون في حالة عبوس، ووجوهم وقلوبهم جاشمة، والحكومة تعلن عن اعدام وسجن من يضحك او يحكي نكتة، وتنصب اعمدة الصلب والنحر.. فكم من اديب وفنان وانسان حر قد خسر ابداعه وحياته لانه اضحك الناس؟




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :