إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية
  • الرئيسية
  • منوعات

  • برهان علوية في عيون معارفه: ترك أجيالا بوصلتها فلسطين ولبنان وجعه الدائم

برهان علوية في عيون معارفه: ترك أجيالا بوصلتها فلسطين ولبنان وجعه الدائم


عمان جو - في يوم بعيد عن الراهن الذي نعيشه قال برهان علوية «فلسطين هي التي أدخلتني السينما». فمنذ فيلمه الروائي الأول الذي أراده عن افعال الاستعمار الوحيد الباقي في العالم «كفرقاسم» كان رائد السينما اللبنانية والعربية البديلة مدركاً لدور السينما في الصراع مع الصهيونية. المخرج الذي يفتخر بأنه أخرج ما اختار من أفلام ووفق قناعاته، يفتخر أيضاً بعروبته وقناعاته التي بناها على أسس الحق والعدالة الإنسانية، ومن دون أن يتبجّح بذلك.

رحل برهان علوية في بلجيكا بعيداً عن بلدته أرنون الشقيف، وبعيداً عن نسيم فلسطين المحتلة. رحل لكنه أوصى بأن يرتاح جسده في مسقط رأسه وهكذا كان.
برهان علوية الذي استوطن الحزن عينيه منذ الشباب إلى الرحيل ينتمي لجيل هزّته الخيبات بعنف، ولم يساوم على الحق والحقيقة. صحيح أن آخر ما نطق به من سينما هو فيلم «خلص» سنة 2006 لكنه يدرك أن تلامذته كثر وسيكملون الطريق من بعده.
في هذا التحقيق عن برهان علوية قراءة من صديقة ومن طالب ومن قريبة.

ليلى شهيد:
لم يعرف التنازلات ولم يحتمل احتضار بيروت
فقرر الرحيل

علاقة وطيدة جمعت برهان علوية بليلى شهيد التي شغلت منصب سفيرة فلسطين في فرنسا. بدأت تلك العلاقة في عام 1975 وكبُرت. تستعيد شهيد تلك الأيام وتقول لـ«القدس العربي»: إنها معرفة تعود لسنة 1975 كنت حينها رئيسة اتحاد طلبة فلسطين في فرنسا حين جاءني طلبة مناضلون ليضعونني أمام الأمر الواقع، قائلين بأن فيلم «كفرقاسم» لبرهان علوية يجب عرضه في صالات الشانزيليزية وفي كافة صالات فرنسا. كان أول فيلم عربي وعالمي يصنع عن مذبحة لم يجف دمها بعد في فلسطين. وصلت إلى «مارين كارميتس» وهو أهم الموزعين في فرنسا وصاحب صالات MK2 بناء على نصيحة من أحدهم بأنه يهوى سينما المؤلف. رغم كونه يهوديا إلاّ أنه أبدى انحيازاً للفيلم الجيد. وعندما شاهد «كفرقاسم» قرر توزيعه في كافة صالاته. في هذا الفيلم يستعيد برهان علوية فعلة الصهاينة سنة 1956 فقد أعلنوا وسط النهار منعاً للتجول في فلسطين، فيما كان العمّال الزراعيون منتشرين في الحقول، ولدى عودتهم مساء أبادهم الإحتلال بالرصاص رغم حملهم لبطاقة الهوية الإسرائيلية. وفي اليوم التالي كان الهجوم الثلاثي على مصر، ليتبين أن هدف المجزرة بث الرعب في نفوس الناس. وإلى اليوم برأي لا يزال «كفرقاسم» أهم فيلم روائي عن فلسطين.
وأضافت ليلى شهيد: فرح برهان علوية لتوزيع فيلمه من قبل أهم الموزعين. ومن حينها توطدت العلاقة بيننا. برهان سينمائي غير عادي. إنسان معجون بالثقافة العربية، وبمجتمعه اللبناني، وبالتراث الشيعي الذي نشأ عليه. لم يكن مطلقاً نسخة عن أي سينمائي غربي، ولم يكن يهتم برأي الغرب. يهتم بتقديم سينما عربية حقيقية على درجة حرفية عالية. ويهتمّ بتعزيز الذاكرة السينمائية العربية عن كافة المضطهدين، وفلسطين في الطليعة. وهكذا سجل فيلم «كفرقاسم» القفزة النوعية الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، وطغى حضوره على الخطابات السياسية الرنّانة جميعها. لقد سبق ونفّذ الصهاينة فيلم «إكسوديس» قبل اغتصاب فلسطين. و«إكسوديس» باخرة حملت مجموعة يهود هربوا من النازيين خلال الحرب العالمية الثانية إلى فلسطين. ويرى الصهاينة أن هذا الفيلم قدّم خدمات لدولة إسرائيل أكبر بكثير من مليون خطاب سياسي.
وتابعت: قدّم برهان علوية عملاً عظيماً لفلسطين، وتابع مشواره بأفلام عن لبنان الذي كان جرحه. في رأيي رحيله سبق الموت التدريجي الذي تمشي بيروت نحوه. بيروت كانت غرامه نظراً لموقعها في الثقافة العربية. معرفتي ببرهان تقول بأنه لم يكن يحتمل مشاهدة احتضار بيروت فأختار الرحيل.
وتعود ليلى شهيد إلى فيلم «لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء» وتروي: كانت تربطني معرفة بالمهندس المصري الكبير حسن فتحي، حين جاء برهان ليخبرني أنه تلقى طلباً بتنفيذ فيلم عنه. هو المهندس الذي بنى أول قرية من الطين اسمها «غورنا» في الأقصر، لتكون منازل للذين يسكنون ويبنون فوق مقابر الفراعنة في وادي الملوك والملكات. كنت صلة الوصل بين حسن فتحي وبرهان علوية وتمّ انجاز الفيلم الوثائقي «لا يكفي أن يكون الله مع الفقراء» وكنت قارئة للنص بنسخته الفرنسية، فالفيلم تحدث عن هندسة بيوت الفقراء غير القادرين على شراء الإسمنت، وجاء شبيهاً بحسن فتحي وبرهان علوية الشاعر والضليع بالثقافة العربية. لهذا بدت أفلامه وكأنها من رحم الرواية، إلى جانب كونها شاعرية، فقد توجها بإحساسه السينمائي العالي.
عن طباع برهان علوية تقول ليلى شهيد: لم يكن مسايراً للمنتجين ولا للنقاد. حتى أنه كان يناقش بعض المنتجين الغربيين في مواقفهم السياسية وبخاصة من يعرف أنهم أصحاب ميول استعمارية ورأسمالية. لم تكن التنازلات واردة لديه. كان متأكداً من مواقفه لهذا برأي ترك مدرسة في الإخراج، ليس فقط على الصعيد العربي بل الغربي كذلك. ولهذا يجب أن تكون سينما برهان ضمن البرامج الدراسية. فهذا اللبناني الجنوبي العروبي والصوفي راقب بدقة تراجيديا الحالة الفلسطينية. ولم يكن «كفرقاسم» كأول فيلم روائي له صدفة بل اختياراً واعياً، فشكل خدمة كبيرة لقضية الشعب الفلسطيني، لأنه بدّل نظرة الغرب عن فلسطين. فليطبع مع الاحتلال من يرغب من الأنظمة العربية، ويكفي فلسطين وجود مخرجين مبدعين كما برهان علوية رحمه الله.

هادي زكاك: كفرقاسم أعادنا للإنسان وجيل سينمائي آخر بوصلته فلسطين

عن برهان علوية ودور السينما في كشف مجازر الصهاينة بدءاً من فيلم «كفرقاسم» قال المخرج هادي زكاك: ليس «كفرقاسم» الفيلم الأول الذي يتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي ومجازره، ولكن أهميته تكمن في كيفية معالجة الموضوع. سأحاول تفكيك بعض العناصر التي تجعل من فيلم برهان علوية تجربة طليعية ومميزة جداً خلال السبعينيات.
أ-مقابل سطوة الخطاب القومي والوطني في قرية «كفرقاسم» يعيدنا برهان علوية إلى الأرض لنسمع صرخة الإنسان الفلسطيني العادي الذي أضاع أفراد عائلته منذ النكبة سنة 1948 فانتشروا في الأردن وسوريا ولبنان. هناك مأساة المقيمين ومأساة الشتات فكل عائلة تمزقت حتى أن البعض لجأ إلى تغيير اسمه مثل عبدالله الذي يعمل في أحد المقاهي في تل أبيب وأصبح معروفاً باسم إيلي منعاً لإثارة حساسية الزبائن اليهود. إنها عملية إلغاء شاملة لا تنتهي مع سرقة الأرض وشرذمة المجتمع بل تجعل المواطن الأصلي يظهرعلى شكل تذكار يُباع للسوّاح وكأنه لعبة تسمح لمقتنيها أن يتسلى بشنق العربي.
ب-يتابع الفيلم استكشاف الحياة اليومية في كفرقاسم معتمداً على إيقاع فيلم وثائقي وكأن الكاميرا موجودة مع السكان الأصليين سنة 1956. تلعب بلدة الشيخ سعد في سوريا وهي قريبة من مدينة طرطوس دور قرية كفرقاسم في الفيلم. فمع احتلال أرض فلسطين، يُعاد تكوين الأراضي المسلوبة على أراض عربية أخرى سينمائياً. يتم اختيار مساحة قد تكون شبيهة بكفر قاسم ومن اللافت أنّ الكاميرا تصور الأراضي أيضاً من الجو وكأنها بالفعل تسترجع المساحة المسلوبة. أما مدينة تل أبيب فتبدو إعادة تكوين أحد شوارعها أقرب من فترة إنتاج الفيلم أي السبعينيات من حيث اختيار الملابس والنظارات. في جميع الأحوال، نحن في مدينة غرْبية غريبة.
ث- بينما يقترب الإسرائيليون من مهاجمة مصر وفرض حظر التجوّل على القرى العربية، نرى وقع الاحتلال على جميع تفاصيل الحياة اليومية وعلى العلاقة بين الأفراد بانتظار صدور أمر القتل الجماعي. فيما تطال السلسلة الإجرامية المجموعة تلو الأخرى، يقدّم لنا الفيلم المسؤولين العسكريين عن المجزرة، الذين ستحاكمهم إسرائيل بالتوبيخ أو بالسجن قبل أن يعودوا بعد فترة قصيرة إلى عملهم. لسنا هنا أمام رسم كاريكاتوري للعسكري الإسرائيلي كما كان يحدث في أفلام الحركة، بل أمام تجسيد لأسماء حقيقية. كما يحرص الفيلم على عدم الاكتفاء بذكر عدد القتلى، بل يلجأ إلى ذكر الأسماء وأعمارهم بعيداً عن الإطار الإخباري حيث يتحوّل عدد الضحايا إلى مجرّد عملية حسابية.
ج-إذاً ينتهي الفيلم برسالة مقاومة تندرج ضمن سينما المقاومة التي تتعدّد أشكالها في السبعينيات. لكن لا شكّ أنّ «كفرقاسم» أكثر الأفلام إتقاناً من حيث تفكيك الحدث وإبراز مفاعيل الاحتلال من دون اللجوء إلى الأساليب الميلودرامية والخطابة الواعظة التي ستُستعمل غالباً لمواكبة العذاب والمجازر.
ويخلص هادي زكاك للقول: الأهمّ أنّ «كفرقاسم» أثبت أنّ الفيلم الروائي بإمكانه أن يكون وثيقة تُنافس بفعالية الفيلم الوثائقي ويقدم رجالاً ونساءً على قيد الحياة ليسوا مجرد أرقام أو صور، بل شعب يستحق الحياة الكريمة.
ماذا يقول زكاك عن اعتراف استاذه «فلسطين أخذتني إلى السينما»؟ أعتقد أنه مع بروز السينما النضالية والملتزمة والبديلة في مطلع السبعينيات، أصبحت فلسطين بوصلة للعديد من السينمائيين. وهذا ما يجعلنا نرصد عدداً من الأفلام العربية من إخراج سينمائيين لبنانيين ومصريين وسوريين وعراقيين بالإضافة إلى الفلسطينيين، الذين تناولوا الموضوع الفلسطيني في السينما الوثائقية والروائية أو من خلال المزج بينهما. ولا شك أن برهان علوية من الروّاد في هذا المجال، خاصة وأنه عرف كيف يوظّف اللغة السينمائية لتحقيق غرضه، فيما وقع البعض الآخر بلعبة البروباغندا. ومن اللافت أنني عندما أنجزت أوّل فيلم قصير لي بعد تخرجي من جامعة القديس يوسف، بيروت سنة 1998 وكان برهان علوية المشرف عليه، كان موضوعه الأساسي القضية الفلسطينية أيضاً، فشعرت بدعم كبير من مخرج كفرقاسم الذي أعتبره أباً روحياً سينمائياً لي، لتكون فلسطين مرّة جديدة البوصلة من جيل إلى آخر.

ديما الجندي: لبنان كان هوسه وأثره بالغ في مسار حياتي

إلى شهادة عائلية وعاطفية ومهنية قالتها المخرجة والمنتجة ديما الجندي عن خالها الذي ترك أثراً بالغاً في حياتها. تقول: تعاونت مع خالي برهان علوية في إنتاج فيلم «خلص» حيث جاء الدعم من خارج العالم العربي. بعد هذا الفيلم ترك برهان لبنان الذي شكل له فيما بعد وجعاً يومياً. بمعرفتني به كخال فهو يعيش هوساً اسمه لبنان وبيروت والعائلة. هو هوس بالمعنى الإيجابي. تعبنا معاً في انهاء فيلم «خلص» الذي كان إنتاجاً ضخماً ومشتركاً بين فرنسا وبلجيكا. وعندما بلغنا منتصف التصوير قررت المنتجة البلجيكية التوقف عن الدفع وهي التي تملك القسم الأكبر من التمويل، كما أنها حصلت على دعم باسم الفيلم من دون التصريح عنه. وهكذا توقف التصوير مرتين. الفيلم كان ضخم التكاليف نظراً لكثرة الديكورات والتصوير الليلي. وهنا ألفت إلى مشهد عشاء القطط في الأسواق التجارية ومدى صعوبة تصويره.
كيف كان التعاون بين خال مخرج وإبنة اخته المنتجة؟ تقول ديما الجندي: لفتني منذ الجلسة الأولى مع مديرة الإنتاج وأنا طلبه بمعرفة كل شاردة وورادة تحصل مع فريق العمل، واللقاء بهم جميعهم. وقد اسمى هذا الإصرار هارموني فريق العمل. ففريق العمل في الفيلم السينمائي يشبه تنظيم الجيوش. وأذكر أننا عندما وضعنا خطة العمل ابلغني برهان رأيه بأن لبنان يتعرض لزلزال لا يتوقف. وأن الـ7 في المئة من العراقيل التي يتم أخذها بالإعتبار ضمن برنامج التصوير وزمنه ليست مطابقة في لبنان، فقد يتعرض التصوير لمشاكل يومية.
هل حرّض برهان علوية بشكل غير مباشر ديما الجندي للسير على دربه؟ تقول: بالأمس تحدثت مع شقيقتي الفنانة التشكيلية ريم الجندي حيث تذكرت أن خالنا ومنذ طفولتنا كان يتحدث معنا وكأننا ناضجون. تأثرنا به كثيراً وبخاصة أنا، وحين سألني لدى دراستي للبكالوريا الفرنسية عن التخصص المستقبلي، وقلت له مثلك، نصحني بأن لا أدرس الإخراج وحده. بل أن أدرس ما هو تقني وله صلة بالسينما. ووعدني بمساعدتي لدخول جامعة الإنساس في بلجيكا والتي تخرج منها. وهو من أقنعني بدراسة مونتاج السينما وهذا ما كان سنة 1984 ومن ثم تابعت دراسة الإنتاج والإخراج.
رغم سوداوية الوضع اللبناني هل كان برهان علوية يرى نوراً ما في النفق بخاصة من جيل الشباب؟ تقول ديما الجندي: من عاداته متابعة الشباب في العائلة والسؤال عن مشاريعهم. بالتأكيد أمله كان فقط في جيل الشباب وهكذا رعى أولاده هشام الذي تخصص مدير تصوير وهو من زواجه الأول، وداوود وزين من زواجه الثاني. كان يخص والدتي إلهام علوية الجندي باتصال هاتفي كل يومين، وهما مرتبطان بعلاقة متينة. وحوارهما كان يمتد ويمتد سائلاً عن التفاصيل الصغيرة. ولم يكن يفوت تحذيراً بشأن الغذاء. يمكن القول أن برهان كان يائساً من وضع لبنان، ولم يكن يتحدث بالسياسية.
في نهاية الحوار غلب الدمع ديما الجندي على رحيل برهان في بروكسل والعائلة في بيروت «هو الخال الحبيب الذي لا يمكن اختصاره بكلمات. شخص مركب يتميز بروح النكتة الساخرة. مفكر وفيلسوف وسينمائي».




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :