إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الأردن يترقب «الصافرة»: متى «تبيض» دجاجة «تحديث المنظومات»؟


عمان جو - بسام البدارين - لا أحد بعد يمكنه فهم أو تحديد الخطوة التالية المنتظرة في ورشة تحديث المنظومتين السياسية والاقتصادية في الأردن. والجميع ودون استثناء يترقب «الصافرة» التي تسمح بانطلاق مباراة مجهولة النتائج وغامضة الخلفيات تحت عنوان تجديد دماء الدولة وتأطير رؤية اقتصادية تحديثية تلازم وتوازي رؤية للتحديث السياسي ظهرت ملامحها في وثيقة يعرف عنها الجميع لكنها لم تختبر بعد.
مجدداً، الانطباع يزيد بأن عمليات التدخل الهندسية في أحزاب لم تتشكل بعد خطوة يمكن أن تخلط الأوراق وتؤدي إلى مولود مشوه. ومجدداً، الانطباع قائم ومتواصل في أن بعض الخطوط متداخلة جداً، وأجهزة ومؤسسات القرار لم تتوافق بعد على الجانب الإجرائي والتنفيذي لحزمة الوثائق التي حظيت بغطاء سياسي وإسناد ملكي.
تلك إشكالية لا بد من التعاطي معها حتى بالنسبة لسياسي عتيق مثل الدكتور ممدوح العبادي، يسأل علناً وأمام «القدس العربي» مجدداً عن تلك المفارقات المقصودة في مساحة ضيقة بعنوان الفارق ما بين التخطيط والتفكير بثوب استراتيجي معقول إلى حد كبير، وبين الممارسات على الأرض في الواقع.
في جلسة عصف ذهني سياسي، سأل العبادي عن المفارقة نفسها: ما دمنا نخطط لتجربة تحت عنوان تعزيز إدارة وحكم الأحزاب السياسية، فعلى أي أساس يتحدث المسؤولون اليوم عن خلاصة ورشة عمل اقتصادية عابرة للحكومات؟ كيف يستقيم المشهد ويتوازن في رأي وتقدير العبادي إذا ما قررت مستقبلاً حكومة حزبية منتخبة بموجب مشروع التحديث للمنظومة السياسية أن لديها تصوراً اقتصادياً مختلفاً عن ذلك الذي تقرر أن يكون عابراً للحكومات.


الاستعجال مرة أخرى يتسبب بالزحام ويعيق الحركة. ذلك هو الانطباع على الأقل في الدائرة المحيطة والقريبة من رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، الذي يجتهد في بث أجواء ومناخات إيجابية وسط المجتمع، ويقترح على المستعجلين تجنب السلبية والعدمية، متحدثاً عن التدرج ونضج التجربة إلى حد كبير.
والواقع يقول في المقابل، إن الشكوى والتساؤل والحيرة مؤشرات لم تعد تقتصر على الرأي العام ولا على الزعامات السياسية والاجتماعية إن وجدت أصلاً، لا بل على غرفة الحكومة أيضاً؛ فالطاقم الاقتصادي الوزاري الذي يدير الأمور لم يكن طرفاً فاعلاً وأساسياً في ترتيبات وثيقة اقتصادية تقرر أن تكون معيارية، بمعنى عابرة للحكومات في المستقبل تجنباً لمزالق الاجتهاد الشخصي.
وفيما يرى سياسي مشتبك مثل العبادي بأن حجم القيود التي توضع مسبقاً على أحزاب سياسية لم تنشأ بعد ويفترض أن تقود حكومات المستقبل هو حجم كبير ومحير وينتج التشويش خلافاً لأنه يخلط الأوراق.
وفي المقابل، ترى شخصيات ثقيلة مثل الرفاعي ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بأن الفرصة بدأت للتو ببرنامج أفقي وشامل وإرشادي، وبأن بقاء وصمود هذا البرنامج التحديثي بشقيه السياسي والاقتصادي هدف أساسي مرجعياً، ويحتاج إجرائياً إلى تجاوز تقلبات وأمزجة وأجندات أي وزراء في المستقبل، وكذلك تجاوز مشكلات الإداء في الحكومات المتعاقبة.
أيهما يسبق الآخر: الدجاجة أم بيضتها في الإصلاح السياسي والاقتصادي الأردني؟ سؤال ينمو ويزحف في التفاصيل، ويربك النقاشات أحياناً.
لكنه يؤسس للمفارقة الأهم الناتجة عن ضعف تجاوب المؤسسات الرسمية من بداية تدشين مشروع تحديث المنظومة السياسية قبل الاقتصادية مع الجوانب الإجرائية التي كان يمكنها أن تؤسس لحاضنة اجتماعية حقيقية تحيط بعملية التحديث وتحميها من التجاذب.

مبكراً، اكتشف الجميع اليوم ما كان قد اقترحه على السلطات الخبير الدكتور محمد الحلايقة، وعبر «القدس العربي» عدة مرات العام الماضي، وقبل عدة أشهر، عندما حاول تنبيه من يديرون الأمور إلى ضرورة العمل بجدية على توفير حاضنة وبيئة اجتماعية صديقة لمشروع التحديث قبل إعلانه.
يبدو حالياً الآن أن المشروع على أهميته، ورغم أنه المشروع السياسي الوحيد المتاح والممكن الآن على حد تعبير وزير الثقافة السابق محمد أبو رمان، عالق في التفاصيل الناتجة عن تجاهل نصيحة الحلايقة وغيره.
وهنا لاحظ مبكراً الباحث والمحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، وانطلاقاً من موقعه في اللجنة الملكية للتحديث وعبر الورقة البيضاء التي قدمها في وقتها، بأن بعض الخطوات التنفيذية والسياسية كان يمكن أن تتخذ مبكراً لاستقطاب الأردنيين والبدء في إضفاء مصداقية على العملية على أمل استعادة الثقة العامة بالمشروع الذي لم تكتمل تفاصيله بعد.
لذلك كله وجله، ينتظر الرأي العام الخطوة التالية في برنامجي التحديث السياسي والاقتصادي، على أمل استعادة ما يمكن استعادته وخدمة المشروع الذي تقرر أصلاً بتوجهات مرجعية نبيلة، لكنه تقلص وبدأ يزحف في المستوى التنفيذي وترك في عمق الحالة أسئلة كان ينبغي ألا تطرح أصلاً.
ولذلك، الخطوة أو الخطوات المقبلة مهمة جداً لأنها يمكن أن تنتهي بتحقيق التوازن المطلوب، كما أنها تشكل الفرصة الأخيرة على الأرجح لإظهار الجدية في التحديث ونمطه وخلفيته في الغطاء السياسي.
وعليه، لا حاجة إذا ما تقررت الخطوات التي يعرف الجميع ملامحها، للاسترسال في الغرق بجدلية «البيضة والدجاجة» مجدداً إصلاحياً إذا ما استدركت المؤسسات وارتقت في خطابها التنفيذي على الأقل والإجرائي إلى المستوى الذي تنشده المرجعيات الملكية.

وإذا لم تخذ قرارات في وقت قريب، قد تنضم وثائق التحديث الجديدة إلى المتحف إياه، وهي قرارات مطلوبة ليس فقط لأن الدولة اليوم تحتاج للإصلاح الجذري العميق كما يقدر ويقرر القيادي في المعارضة الإسلامية الشيخ مراد العضايلة، لكن لأن المسار الوطني في الإصلاح ينبغي أن يعزل عن سياقات الاصطفاف السياسي وبهلوانيات الدور والوظيفة إقليمياً، حتى يقرر الأردنيون ما الذي ينبغي أن يصلحوه أو يفعلوه بدلاً من الاصطدام في الكمين الذي حذر منه دوماً وزير البلاط الأسبق وأحد أبرز الأوفياء لمسار الإصلاح الدكتور مروان المعشر، عندما اقترح أن نفعلها وطنياً حتى لا يتدخل الآخرون فينا.


«القدس العربي»




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :