نشر مؤخرا مقال 'مستفز' بعنوان 'أكبر عملية اغتصاب فكري حدثت بعقولنا' للعميد المصري المتقاعد محمد صفوت الزيات، وفيه هجوم حاد على مفهوم الدولة الوطنية وحدود الأوطان، واعتبارها 'حظائر' رسمها الاستعمار وزيف بها وعي الشعوب 'أدعوكم لقراءة المقال من محركات البحث'. ورغم ما يحمله المقال من عاطفة دينية وحدوية قد تبدو نبيلة في ظاهرها، إلا أن الطرح الذي تم تقديمه، يتناقض مع حقائق التاريخ، ويهدد حاضر الشعوب ومستقبلها، بل ويسهم -من حيث لا يدري كاتبه- في تقويض كيان الأمة التي يزعم الدفاع عنها. إن تصوير الوطن على أنه سجن كبير، والحدود على أنها قيود استعمارية محضة، والجنسية على أنها 'صبغة كالتي تصبغ بها الماشية'، كلها تعميمات تفتقر للعدل والاتزان، وتختزل قرنا من نضال الشعوب وبناء المؤسسات والتضحيات، في مؤامرة واحدة رسمها ضابطان بريطاني وفرنسي. فهل يمكن أن نقنع الجزائري الذي قدم مليون ونصف المليون شهيد بأن وطنه وهم؟ وهل نقول للمصريين والتونسيين والسوريين إن تاريخهم الوطني خرافة؟ وماذا نقول للأردني الذي ارتقى على أسوار القدس دفاعا عن العروبة والوصاية؟ أو الذي قدم الشهداء في معركة الكرامة؛ هل نقول له إن دمه سال من أجل 'سياج من وهم'؟ إن الأوطان ليست خرائط على ورق بل هي ذاكرة وتاريخ وتضحية وهوية ونظام قانوني يضمن الكرامة ويحفظ الكيان. الدولة ليست مجرد حدود، بل كيان نبت من الأرض، وتماسك بالعرق والدم وتكرس بإرادة الشعوب، وليس بتوقيع المستعمرين. أما القول إن الأمة الإسلامية لم تكن تعرف الحدود، فهو خطاب غير مكتمل.. نعم كانت هناك وحدة دينية واسعة، لكن ذلك لم يكن خارج إطار الدول والأنظمة والإدارات، فالدولة الإسلامية كانت دولة منظمة تحكم بالقانون، وتدير شؤون الناس، ولم تكن مجرد فكرة عائمة أو حلم بلا مؤسسات. الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الأكبر للأمة، بل هو امتداد له، فمن لا يخلص لوطنه لا يرجى منه أن يكون صادقا في ولائه لأمة أوسع، ومحاربة الحدود لا تكون بإلغائها خطابيا، بل ببناء الجسور فوقها، وتعزيز التعاون والتكامل وليس التنكر لها. إن اتفاقية 'سايكس-بيكو' رغم بشاعتها، لا تبرر الفشل ولا تلغي الحقائق، فالأمم لا تبنى على الحنين وحده، بل على العمل والوعي والتخطيط، وماضينا المجيد لا يستعاد بالتقليل من الحاضر، بل بإعادة بنائه على أسس واقعية ومشتركة، فمن أراد وحدة الأمة، فليبدأ بإصلاح وطنه لا بهدمه، وليقدم نموذجا في الحكم الراشد والنزاهة والحرية والعدل.. عندها ستنجذب الشعوب طوعا لا قسرا إلى الوحدة. وعندها فقط تهدم الجدران لا بتأليب الشعوب على أوطانها، بل ببناء وعيٍ راقٍ يرى أن الأوطان ليست خصما للوحدة بل أساسا متينا لها. وفي النهاية أقول للعميد الزيات إن الوطن ليس خرافة.. الوطن وجد بإرادة من ضحوا ومن حلموا، ومن قدموا أبناءهم فداء له، أما من يسمي ذلك 'اغتصابا فكريا'، فقد اغتصب هو نفسه أبسط معاني الوفاء.
عمان جو- بقلم: د. ماجد عسيلة
نشر مؤخرا مقال 'مستفز' بعنوان 'أكبر عملية اغتصاب فكري حدثت بعقولنا' للعميد المصري المتقاعد محمد صفوت الزيات، وفيه هجوم حاد على مفهوم الدولة الوطنية وحدود الأوطان، واعتبارها 'حظائر' رسمها الاستعمار وزيف بها وعي الشعوب 'أدعوكم لقراءة المقال من محركات البحث'. ورغم ما يحمله المقال من عاطفة دينية وحدوية قد تبدو نبيلة في ظاهرها، إلا أن الطرح الذي تم تقديمه، يتناقض مع حقائق التاريخ، ويهدد حاضر الشعوب ومستقبلها، بل ويسهم -من حيث لا يدري كاتبه- في تقويض كيان الأمة التي يزعم الدفاع عنها. إن تصوير الوطن على أنه سجن كبير، والحدود على أنها قيود استعمارية محضة، والجنسية على أنها 'صبغة كالتي تصبغ بها الماشية'، كلها تعميمات تفتقر للعدل والاتزان، وتختزل قرنا من نضال الشعوب وبناء المؤسسات والتضحيات، في مؤامرة واحدة رسمها ضابطان بريطاني وفرنسي. فهل يمكن أن نقنع الجزائري الذي قدم مليون ونصف المليون شهيد بأن وطنه وهم؟ وهل نقول للمصريين والتونسيين والسوريين إن تاريخهم الوطني خرافة؟ وماذا نقول للأردني الذي ارتقى على أسوار القدس دفاعا عن العروبة والوصاية؟ أو الذي قدم الشهداء في معركة الكرامة؛ هل نقول له إن دمه سال من أجل 'سياج من وهم'؟ إن الأوطان ليست خرائط على ورق بل هي ذاكرة وتاريخ وتضحية وهوية ونظام قانوني يضمن الكرامة ويحفظ الكيان. الدولة ليست مجرد حدود، بل كيان نبت من الأرض، وتماسك بالعرق والدم وتكرس بإرادة الشعوب، وليس بتوقيع المستعمرين. أما القول إن الأمة الإسلامية لم تكن تعرف الحدود، فهو خطاب غير مكتمل.. نعم كانت هناك وحدة دينية واسعة، لكن ذلك لم يكن خارج إطار الدول والأنظمة والإدارات، فالدولة الإسلامية كانت دولة منظمة تحكم بالقانون، وتدير شؤون الناس، ولم تكن مجرد فكرة عائمة أو حلم بلا مؤسسات. الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الأكبر للأمة، بل هو امتداد له، فمن لا يخلص لوطنه لا يرجى منه أن يكون صادقا في ولائه لأمة أوسع، ومحاربة الحدود لا تكون بإلغائها خطابيا، بل ببناء الجسور فوقها، وتعزيز التعاون والتكامل وليس التنكر لها. إن اتفاقية 'سايكس-بيكو' رغم بشاعتها، لا تبرر الفشل ولا تلغي الحقائق، فالأمم لا تبنى على الحنين وحده، بل على العمل والوعي والتخطيط، وماضينا المجيد لا يستعاد بالتقليل من الحاضر، بل بإعادة بنائه على أسس واقعية ومشتركة، فمن أراد وحدة الأمة، فليبدأ بإصلاح وطنه لا بهدمه، وليقدم نموذجا في الحكم الراشد والنزاهة والحرية والعدل.. عندها ستنجذب الشعوب طوعا لا قسرا إلى الوحدة. وعندها فقط تهدم الجدران لا بتأليب الشعوب على أوطانها، بل ببناء وعيٍ راقٍ يرى أن الأوطان ليست خصما للوحدة بل أساسا متينا لها. وفي النهاية أقول للعميد الزيات إن الوطن ليس خرافة.. الوطن وجد بإرادة من ضحوا ومن حلموا، ومن قدموا أبناءهم فداء له، أما من يسمي ذلك 'اغتصابا فكريا'، فقد اغتصب هو نفسه أبسط معاني الوفاء.
عمان جو- بقلم: د. ماجد عسيلة
نشر مؤخرا مقال 'مستفز' بعنوان 'أكبر عملية اغتصاب فكري حدثت بعقولنا' للعميد المصري المتقاعد محمد صفوت الزيات، وفيه هجوم حاد على مفهوم الدولة الوطنية وحدود الأوطان، واعتبارها 'حظائر' رسمها الاستعمار وزيف بها وعي الشعوب 'أدعوكم لقراءة المقال من محركات البحث'. ورغم ما يحمله المقال من عاطفة دينية وحدوية قد تبدو نبيلة في ظاهرها، إلا أن الطرح الذي تم تقديمه، يتناقض مع حقائق التاريخ، ويهدد حاضر الشعوب ومستقبلها، بل ويسهم -من حيث لا يدري كاتبه- في تقويض كيان الأمة التي يزعم الدفاع عنها. إن تصوير الوطن على أنه سجن كبير، والحدود على أنها قيود استعمارية محضة، والجنسية على أنها 'صبغة كالتي تصبغ بها الماشية'، كلها تعميمات تفتقر للعدل والاتزان، وتختزل قرنا من نضال الشعوب وبناء المؤسسات والتضحيات، في مؤامرة واحدة رسمها ضابطان بريطاني وفرنسي. فهل يمكن أن نقنع الجزائري الذي قدم مليون ونصف المليون شهيد بأن وطنه وهم؟ وهل نقول للمصريين والتونسيين والسوريين إن تاريخهم الوطني خرافة؟ وماذا نقول للأردني الذي ارتقى على أسوار القدس دفاعا عن العروبة والوصاية؟ أو الذي قدم الشهداء في معركة الكرامة؛ هل نقول له إن دمه سال من أجل 'سياج من وهم'؟ إن الأوطان ليست خرائط على ورق بل هي ذاكرة وتاريخ وتضحية وهوية ونظام قانوني يضمن الكرامة ويحفظ الكيان. الدولة ليست مجرد حدود، بل كيان نبت من الأرض، وتماسك بالعرق والدم وتكرس بإرادة الشعوب، وليس بتوقيع المستعمرين. أما القول إن الأمة الإسلامية لم تكن تعرف الحدود، فهو خطاب غير مكتمل.. نعم كانت هناك وحدة دينية واسعة، لكن ذلك لم يكن خارج إطار الدول والأنظمة والإدارات، فالدولة الإسلامية كانت دولة منظمة تحكم بالقانون، وتدير شؤون الناس، ولم تكن مجرد فكرة عائمة أو حلم بلا مؤسسات. الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الأكبر للأمة، بل هو امتداد له، فمن لا يخلص لوطنه لا يرجى منه أن يكون صادقا في ولائه لأمة أوسع، ومحاربة الحدود لا تكون بإلغائها خطابيا، بل ببناء الجسور فوقها، وتعزيز التعاون والتكامل وليس التنكر لها. إن اتفاقية 'سايكس-بيكو' رغم بشاعتها، لا تبرر الفشل ولا تلغي الحقائق، فالأمم لا تبنى على الحنين وحده، بل على العمل والوعي والتخطيط، وماضينا المجيد لا يستعاد بالتقليل من الحاضر، بل بإعادة بنائه على أسس واقعية ومشتركة، فمن أراد وحدة الأمة، فليبدأ بإصلاح وطنه لا بهدمه، وليقدم نموذجا في الحكم الراشد والنزاهة والحرية والعدل.. عندها ستنجذب الشعوب طوعا لا قسرا إلى الوحدة. وعندها فقط تهدم الجدران لا بتأليب الشعوب على أوطانها، بل ببناء وعيٍ راقٍ يرى أن الأوطان ليست خصما للوحدة بل أساسا متينا لها. وفي النهاية أقول للعميد الزيات إن الوطن ليس خرافة.. الوطن وجد بإرادة من ضحوا ومن حلموا، ومن قدموا أبناءهم فداء له، أما من يسمي ذلك 'اغتصابا فكريا'، فقد اغتصب هو نفسه أبسط معاني الوفاء.
التعليقات
ردا على محمد صفوت الزيات .. الوطن ليس وهما .. والحدود ليست خيانة
التعليقات