حين خرج مروان القاسم من السلطة ، احترم نفسه ..لم يتحدث أمام وسائل الإعلام ..لم يكتب مذكراته ، لم ينتقد الوضع ، لم يتحدث في الهوية ....مع أن سعود الفيصل – رحمه الله – كان يقول عنه : حين يدخل علينا مروان القاسم ، كأن على رؤوسنا الطير ..مروان كان عميد الدبلوماسيين العرب . وحين خرج طارق علاء الدين من السلطة ، ظل في منزله يهاتف الأصدقاء ..ويزورهم ، كان يكره الإعلام ولا يحب حتى ظهور صورته في الصحف ..ومشهورة هي القصة التي حذر فيها محمود الكايد من نشر صورته في الرأي حين تسلم جهاز المخابرات . أحمد علاء الدين ، كان بإمكانه أن يروي عملية فندق الأردن للصحافة ، كان بإمكانه أن يطل على الجزيرة ويتحدث عن أيلول ، وتلك الايام ..لكنه رحل بصمت وترك الدنيا ، لم يحب المايكريفونات ولا الصور ، ظل مخلصا للبندقية والتراب . حتى عبدالإله الخطيب ، الذي عاصر أزمة ليبيا وكان مبعوثا أمميا ، والذي عرف تفاصيل الثورة هناك ، وعاش زمنا من عمره وزيرا لخارجية الأردن ظل صامتا منزويا ، وطلق الإعلام إلى غير رجعة .. الجنرالات وقارهم في صمتهم ...مشعل الزين هو الاخر ترك الجيش ، وجلس في منزله ، تارة يسافر وتارة يجلس على شرفة الدار ، حتى المناسبات اعتكف عن حضورها . أحيانا أحزن على حال الذين خرجوا من السلطة ، كلما هاتفهم متدرب أو محطة من أجل انتاج (بود كاست) حجوا إليها مدججين بربطات العنق ، والثرثرة ...والأحاديث التي لا تغني ولا تسمن من جوع . هل بلدنا يحتاج لكل هذه التصريحات ؟.... يعجبني جنرال تقاعد منذ فترة ، لم يترك منبرا إلا وأطل عليه ، وتشعر أحيانا لكثرة انفعاله أنه أدار معركة (العلمين) ..وتحتار في حديثه ، وحين تتأمل وتعيد المقابلة أكثر من مرة ...تشعر أنه كان منقذا للأمة ، وأنه تسلم جيوش الحلفاء من الجنرال (عمر برادلي) ..وهو من دخل برلين. الأردن لا يحتاج لكل هذه الثرثرة ، والوطنية الأردنية لم تكن تعني يوما ، نقد الاخر وتهشميه واتهامه بأنه سبب الخراب ، الأردن متعب أكثر من أي وقت مضى وأظن أننا في هذه اللحظة نحتاج لمشروع يتم فيه إسكات الطبقة السياسية الحالية ، أو على الأقل منعها من الحديث باسم الهوية أو باسم الدولة ، أو باسم الناس ...الإعلام خلق لكي بعبر عن نبض الناس وأوجاعهم ، لكل ينقل رسالة الشعب ، ولكي يكون وسيلة النقد والمراقبة ، إلا إعلامنا خلق لكي يكون منصات لبقايا مسؤولين تاه بهم الشيب وتاهت بهم أحلام العودة للكراسي ، ونصبوا أنفسهم ناطقين باسمنا . بلادنا متعبة ، والقلق يسكن شوارعها ، بلادنا يغيب فيها صوت العقل ، لصالح ثلة ممن يسمونهم بالنخبة ، تسللوا إلى مفاصل ومفاتيح الإعلام ، وصاروا هم من يقومون بصياغة روايتنا وموقفنا ، والمشكلة أن الدولة صارت هي من تتبع روايتهم وليس العكس . في فترة الثمانينات ، كان الضباط حين يتقاعدون ، يجلسون في منازلهم ...يغادرونها فقط لأجل حضور مناسبات اجتماعية ، وكنت ألمح دائما في وجوههم الصمت ، وأكثر ما كان يثير انتباهي فيهم ، هو أنهم يصرون على ارتداء الخاتم الذي سلم لهم حين أنهوا دورة الأركان ، أو الخاتم الذي يحمل شعار الجيش العربي والذي ارتدوه حين تقلدوا الرتب الأعلى ، قال لي ابن أحدهم يوما : حين توفي والدي المتقاعد ، وغسلناه وقمنا بتكفينه ، بقينا ساعات نحاول نزع الخاتم الذي يحمل شعار الجيش من يده ، لكننا لم نستطع ..يبدو أنه غادر الحياة لكن الجيش رفض أن يغادر جسده حتى وهو ميت . أنا من حزب ( الخاتم) ، من الحزب الذي كان الرضى ديدنه ، من الحزب الذي لم يؤمن (بالنطنطة) على المحطات ، من الحزب الذي كان الوقار والهيبة دربه والمسار والبداية والمنتهى ، أنا من حزب (الخاتم) .... ويسألني صاحبي كل يوم لماذا توقفت عن الكتابة في الرأي ، كلما داهمني أحدهم بهذا السؤال أروي له قصة الخاتم الذي ظل وفيا لإصبع صاحبه ورفض أن يغادره ...أخبره أيضا أني تركت المهنة التي أعيش منها ، ولا أعرف غيرها ...للذين خلعوا الخاتم مبكرا ، وتحولوا من مسؤولين سابقين وجنرالات متقاعدين إلى كتاب يعلموننا أساسيات النحو وأصول البلاغة ...ماذا تبقى من مساحات كي يزاحموننا عليها ؟ .... الأردن أكبر من كل هذا ، ولا يحتاج لهذا الكم من (الثرثرة) .
عمان جو- عبدالهادي راجي المجالي
حين خرج مروان القاسم من السلطة ، احترم نفسه ..لم يتحدث أمام وسائل الإعلام ..لم يكتب مذكراته ، لم ينتقد الوضع ، لم يتحدث في الهوية ....مع أن سعود الفيصل – رحمه الله – كان يقول عنه : حين يدخل علينا مروان القاسم ، كأن على رؤوسنا الطير ..مروان كان عميد الدبلوماسيين العرب . وحين خرج طارق علاء الدين من السلطة ، ظل في منزله يهاتف الأصدقاء ..ويزورهم ، كان يكره الإعلام ولا يحب حتى ظهور صورته في الصحف ..ومشهورة هي القصة التي حذر فيها محمود الكايد من نشر صورته في الرأي حين تسلم جهاز المخابرات . أحمد علاء الدين ، كان بإمكانه أن يروي عملية فندق الأردن للصحافة ، كان بإمكانه أن يطل على الجزيرة ويتحدث عن أيلول ، وتلك الايام ..لكنه رحل بصمت وترك الدنيا ، لم يحب المايكريفونات ولا الصور ، ظل مخلصا للبندقية والتراب . حتى عبدالإله الخطيب ، الذي عاصر أزمة ليبيا وكان مبعوثا أمميا ، والذي عرف تفاصيل الثورة هناك ، وعاش زمنا من عمره وزيرا لخارجية الأردن ظل صامتا منزويا ، وطلق الإعلام إلى غير رجعة .. الجنرالات وقارهم في صمتهم ...مشعل الزين هو الاخر ترك الجيش ، وجلس في منزله ، تارة يسافر وتارة يجلس على شرفة الدار ، حتى المناسبات اعتكف عن حضورها . أحيانا أحزن على حال الذين خرجوا من السلطة ، كلما هاتفهم متدرب أو محطة من أجل انتاج (بود كاست) حجوا إليها مدججين بربطات العنق ، والثرثرة ...والأحاديث التي لا تغني ولا تسمن من جوع . هل بلدنا يحتاج لكل هذه التصريحات ؟.... يعجبني جنرال تقاعد منذ فترة ، لم يترك منبرا إلا وأطل عليه ، وتشعر أحيانا لكثرة انفعاله أنه أدار معركة (العلمين) ..وتحتار في حديثه ، وحين تتأمل وتعيد المقابلة أكثر من مرة ...تشعر أنه كان منقذا للأمة ، وأنه تسلم جيوش الحلفاء من الجنرال (عمر برادلي) ..وهو من دخل برلين. الأردن لا يحتاج لكل هذه الثرثرة ، والوطنية الأردنية لم تكن تعني يوما ، نقد الاخر وتهشميه واتهامه بأنه سبب الخراب ، الأردن متعب أكثر من أي وقت مضى وأظن أننا في هذه اللحظة نحتاج لمشروع يتم فيه إسكات الطبقة السياسية الحالية ، أو على الأقل منعها من الحديث باسم الهوية أو باسم الدولة ، أو باسم الناس ...الإعلام خلق لكي بعبر عن نبض الناس وأوجاعهم ، لكل ينقل رسالة الشعب ، ولكي يكون وسيلة النقد والمراقبة ، إلا إعلامنا خلق لكي يكون منصات لبقايا مسؤولين تاه بهم الشيب وتاهت بهم أحلام العودة للكراسي ، ونصبوا أنفسهم ناطقين باسمنا . بلادنا متعبة ، والقلق يسكن شوارعها ، بلادنا يغيب فيها صوت العقل ، لصالح ثلة ممن يسمونهم بالنخبة ، تسللوا إلى مفاصل ومفاتيح الإعلام ، وصاروا هم من يقومون بصياغة روايتنا وموقفنا ، والمشكلة أن الدولة صارت هي من تتبع روايتهم وليس العكس . في فترة الثمانينات ، كان الضباط حين يتقاعدون ، يجلسون في منازلهم ...يغادرونها فقط لأجل حضور مناسبات اجتماعية ، وكنت ألمح دائما في وجوههم الصمت ، وأكثر ما كان يثير انتباهي فيهم ، هو أنهم يصرون على ارتداء الخاتم الذي سلم لهم حين أنهوا دورة الأركان ، أو الخاتم الذي يحمل شعار الجيش العربي والذي ارتدوه حين تقلدوا الرتب الأعلى ، قال لي ابن أحدهم يوما : حين توفي والدي المتقاعد ، وغسلناه وقمنا بتكفينه ، بقينا ساعات نحاول نزع الخاتم الذي يحمل شعار الجيش من يده ، لكننا لم نستطع ..يبدو أنه غادر الحياة لكن الجيش رفض أن يغادر جسده حتى وهو ميت . أنا من حزب ( الخاتم) ، من الحزب الذي كان الرضى ديدنه ، من الحزب الذي لم يؤمن (بالنطنطة) على المحطات ، من الحزب الذي كان الوقار والهيبة دربه والمسار والبداية والمنتهى ، أنا من حزب (الخاتم) .... ويسألني صاحبي كل يوم لماذا توقفت عن الكتابة في الرأي ، كلما داهمني أحدهم بهذا السؤال أروي له قصة الخاتم الذي ظل وفيا لإصبع صاحبه ورفض أن يغادره ...أخبره أيضا أني تركت المهنة التي أعيش منها ، ولا أعرف غيرها ...للذين خلعوا الخاتم مبكرا ، وتحولوا من مسؤولين سابقين وجنرالات متقاعدين إلى كتاب يعلموننا أساسيات النحو وأصول البلاغة ...ماذا تبقى من مساحات كي يزاحموننا عليها ؟ .... الأردن أكبر من كل هذا ، ولا يحتاج لهذا الكم من (الثرثرة) .
عمان جو- عبدالهادي راجي المجالي
حين خرج مروان القاسم من السلطة ، احترم نفسه ..لم يتحدث أمام وسائل الإعلام ..لم يكتب مذكراته ، لم ينتقد الوضع ، لم يتحدث في الهوية ....مع أن سعود الفيصل – رحمه الله – كان يقول عنه : حين يدخل علينا مروان القاسم ، كأن على رؤوسنا الطير ..مروان كان عميد الدبلوماسيين العرب . وحين خرج طارق علاء الدين من السلطة ، ظل في منزله يهاتف الأصدقاء ..ويزورهم ، كان يكره الإعلام ولا يحب حتى ظهور صورته في الصحف ..ومشهورة هي القصة التي حذر فيها محمود الكايد من نشر صورته في الرأي حين تسلم جهاز المخابرات . أحمد علاء الدين ، كان بإمكانه أن يروي عملية فندق الأردن للصحافة ، كان بإمكانه أن يطل على الجزيرة ويتحدث عن أيلول ، وتلك الايام ..لكنه رحل بصمت وترك الدنيا ، لم يحب المايكريفونات ولا الصور ، ظل مخلصا للبندقية والتراب . حتى عبدالإله الخطيب ، الذي عاصر أزمة ليبيا وكان مبعوثا أمميا ، والذي عرف تفاصيل الثورة هناك ، وعاش زمنا من عمره وزيرا لخارجية الأردن ظل صامتا منزويا ، وطلق الإعلام إلى غير رجعة .. الجنرالات وقارهم في صمتهم ...مشعل الزين هو الاخر ترك الجيش ، وجلس في منزله ، تارة يسافر وتارة يجلس على شرفة الدار ، حتى المناسبات اعتكف عن حضورها . أحيانا أحزن على حال الذين خرجوا من السلطة ، كلما هاتفهم متدرب أو محطة من أجل انتاج (بود كاست) حجوا إليها مدججين بربطات العنق ، والثرثرة ...والأحاديث التي لا تغني ولا تسمن من جوع . هل بلدنا يحتاج لكل هذه التصريحات ؟.... يعجبني جنرال تقاعد منذ فترة ، لم يترك منبرا إلا وأطل عليه ، وتشعر أحيانا لكثرة انفعاله أنه أدار معركة (العلمين) ..وتحتار في حديثه ، وحين تتأمل وتعيد المقابلة أكثر من مرة ...تشعر أنه كان منقذا للأمة ، وأنه تسلم جيوش الحلفاء من الجنرال (عمر برادلي) ..وهو من دخل برلين. الأردن لا يحتاج لكل هذه الثرثرة ، والوطنية الأردنية لم تكن تعني يوما ، نقد الاخر وتهشميه واتهامه بأنه سبب الخراب ، الأردن متعب أكثر من أي وقت مضى وأظن أننا في هذه اللحظة نحتاج لمشروع يتم فيه إسكات الطبقة السياسية الحالية ، أو على الأقل منعها من الحديث باسم الهوية أو باسم الدولة ، أو باسم الناس ...الإعلام خلق لكي بعبر عن نبض الناس وأوجاعهم ، لكل ينقل رسالة الشعب ، ولكي يكون وسيلة النقد والمراقبة ، إلا إعلامنا خلق لكي يكون منصات لبقايا مسؤولين تاه بهم الشيب وتاهت بهم أحلام العودة للكراسي ، ونصبوا أنفسهم ناطقين باسمنا . بلادنا متعبة ، والقلق يسكن شوارعها ، بلادنا يغيب فيها صوت العقل ، لصالح ثلة ممن يسمونهم بالنخبة ، تسللوا إلى مفاصل ومفاتيح الإعلام ، وصاروا هم من يقومون بصياغة روايتنا وموقفنا ، والمشكلة أن الدولة صارت هي من تتبع روايتهم وليس العكس . في فترة الثمانينات ، كان الضباط حين يتقاعدون ، يجلسون في منازلهم ...يغادرونها فقط لأجل حضور مناسبات اجتماعية ، وكنت ألمح دائما في وجوههم الصمت ، وأكثر ما كان يثير انتباهي فيهم ، هو أنهم يصرون على ارتداء الخاتم الذي سلم لهم حين أنهوا دورة الأركان ، أو الخاتم الذي يحمل شعار الجيش العربي والذي ارتدوه حين تقلدوا الرتب الأعلى ، قال لي ابن أحدهم يوما : حين توفي والدي المتقاعد ، وغسلناه وقمنا بتكفينه ، بقينا ساعات نحاول نزع الخاتم الذي يحمل شعار الجيش من يده ، لكننا لم نستطع ..يبدو أنه غادر الحياة لكن الجيش رفض أن يغادر جسده حتى وهو ميت . أنا من حزب ( الخاتم) ، من الحزب الذي كان الرضى ديدنه ، من الحزب الذي لم يؤمن (بالنطنطة) على المحطات ، من الحزب الذي كان الوقار والهيبة دربه والمسار والبداية والمنتهى ، أنا من حزب (الخاتم) .... ويسألني صاحبي كل يوم لماذا توقفت عن الكتابة في الرأي ، كلما داهمني أحدهم بهذا السؤال أروي له قصة الخاتم الذي ظل وفيا لإصبع صاحبه ورفض أن يغادره ...أخبره أيضا أني تركت المهنة التي أعيش منها ، ولا أعرف غيرها ...للذين خلعوا الخاتم مبكرا ، وتحولوا من مسؤولين سابقين وجنرالات متقاعدين إلى كتاب يعلموننا أساسيات النحو وأصول البلاغة ...ماذا تبقى من مساحات كي يزاحموننا عليها ؟ .... الأردن أكبر من كل هذا ، ولا يحتاج لهذا الكم من (الثرثرة) .
التعليقات