إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

رمضان وسهرات التكاذب


عمان جو- بلال حسن التل


هاهو رمضان يلملم أورقه مؤذناً بالرحيل، وهي مناسبة لمراجعة سلوكنا فيه، وهل فهمناه كما يجب؟ سؤال لا تحتاج الإجابة عليه إلى عناء، حتى نكتشف البون الشاسع بين المعاني التي أرادها الباري عزوجل من شعيرة الصوم وبين سلوك الغالبية الساحقة في رمضان،

والذي يتناقض كلياً مع مقاصد الشارع من هذه الشعيرة الدينية التي فرضها على عباده تزكية للنفس وترويضاً للشهوات وصقلاً للأحاسيس، فحولناه نحن إلى شهر للشهوات وغلظة في الأحاسيس، فكيف ولماذا صار رمضان بالنسبة للكثيرين على غير ما قصد الشرع الحنيف؟


واحدة من الإجابات على هذا السؤال تكمن في حجم تأثير الاستلاب الثقافي الذي نعيشه بفعل الغزو الثقافي الذي يستهدفنا منذ ما يزيد عن القرن، والذي شوه الكثير من قيمنا وسلوكياتنا، وفي هذا المجال يصلح حجم التشوه الذي أصاب سلوكنا في رمضان نموذجاً لدراسة تأثير الغزو الثقافي علينا،

فبفعل الاستلاب الثقافي فات الكثيرين أن رمضان شعيرة دينية ثابتة في أحكامها ومقاصدها ومواقيتها الشرعية ومظاهرها، ومن ثم في أخلاق وسلوكيات الصائمين، وقد بينت ذلك كله الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ما لا يجوز معه التعامل مع رمضان وسلوكياته كطقس اجتماعي يمكن تكيفه وفق أهوائنا وشهواتنا، كما صار يفعل البعض في السنوات الأخيرة.

والذين أدخلوا طقوس من ثقافات أخرى على سلوكنا الرمضاني فشوهوها، من ذلك أن رمضان شهر سهر، لكن الذين سعوا إلى تكيف رمضان وفق أهوائهم وشهواتهم لا يصومون رمضان لكنهم يسهرون لياليه، سهراً يختلف عن ما مارسه رسولنا الكريم، الذي كان يسهر رمضان منقطعاً للعبادة،

أضعاف ما كان يفعله في سائر أيام السنة، وكذلك كان يفعل صحابته وتابعيهم، قبل أن يتصدر مقود الأمة تلاميذ الغزو الثقافي وأحلاس التمويل الأجنبي الذين حولوا ليالي رمضان إلى ليالي ترف يصل أحياناً حد المجون في صالات الفنادق أو فيما يسمى زوراً وبهتاناً خيم رمضان، التي تُفقد ليالي رمضان سكينتها وهدؤها بما تقدمه هذه الخيم من رخص وسخف.


ومثل ليالي رمضان كذلك فقدت نهاراته معانيها، ففي تاريخنا كان رمضان شهر الانتصارات العظيمة، لكنه في حاضرنا صار شهر الكسل وقلة الإنتاجية على المستوى الجمعي، وشهر التوتر والعصبية والمشاجراتعلى المستوى الفردي، وهذا مايفسر لنا ارتفاع عدد المشاجرات وحوادث السير وصولاً إلى القتل في شهر رمضان، الذي هو في الأصل شهر السكينة والمودة والتراحم، فأين نحن من ذلك كله بعد أن حولنا رمضان إلى طقس اجتماعي صفته التكاذب الذي يمارسه الناس وتبرع به بعض الشخصيات العامة التي فقدت وزنها الأدبي،

عندما قبلت بفعل التكاذب أن تكون أداة لترويج بعض الشركات ولتبيض أموال التمويل الأجنبي، وهو نفس التكاذب الذي يجعل شخصيات عامة بينها ما صنع الحداد، تقول ببعضها مالم يقله مالك في الخمر، ومع ذلك لا تخجل أن تأخذ بعضها بالأحضان أمام كاميرات التكاذب في سهرات رمضان التي حولها الاستلاب الثقافي من شعيرة دينية إلى طقس اجتماعي مليء بالتكاذب.

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :