إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

كيف مات هذا الملاك نتيجة التقصير!


عمان جو _دكتور بهاء الدين الاقطش

توفيت الملاك البرىء لين التي طالما ضحكت مثلَ وردة، وغنّت ورددت ألحاناً طروبةً، عن حُبّها للحياة والناس، توفيت بعد إجراء عملية لاستئصال الزائدة الدودية،

لن أخوض بتفاصيل القصة لنتركها للجان المختصة لتحديد على من تقع المسؤوليه او التقصير
أولا نعزي انفسنا ونعزي اهل لين بوفاتها ونسأل الله أن يرحمها ويخفف مصاب أهلها

عناوين صحفيه وروايات متعددة نسمعها هنا وهناك والطرف الأضعف فيها هم الكوادر الطبيه في مستشفى البشير التي ضاقت بها الحياه من ضغط العمل لست هنا بصدد الدفاع لكن نحن نتكلم عن منظومه صحيه حكوميه متهالكه من نقص تعيينات الكوادر الطبيه و اشكالية تدريبهم من ناحيه و مشاكل إدارية كعدم توفر الاسره وعدم توفر الاختصاصات الفرعية والعديد من المشاكل الاداريه

في البشير من المرضى يموتون يومياً، لعدم قدرة الكادر الطبيّ على التعامل مع تيار المرضى المُتدفّقِ الذي يجتاحُ أروقة المستشفى، عمّان النابضة بالحياة كُلها، تقفُ اليوم على أكتاف البشير.

أيُّ طبيبٍ او كادر طبي عمل في مستشفى البشير، هل أحسست يوماً بذلك الشعور الذي تكون فيه مُستميتاً لإنقاذ حياة إنسانٍ أو معالجته، إلا أنك لا تستطيع لأنّ تهالُك المؤسسات يجعلُك مُقيّداً تماماً ، اسألوا الأطباء الذين شعروا بالحيف والقهر، لأنهم وقفوا عاجزين بعد أن حاولوا جهدهم، وظنّهم أهلُ المرضى يتقصّدون عدم معالجة أبنائهم، وربما اعتدوا عليهم أيضاً.
.

عدد هائلٌ من المرضى يُراجع المستشفى يومياً ، في الطوارئ والعيادات، يُعالج الطبيب في المناوبة الواحدة ما لا يقلّ عن مئة مريض، يتمّ استنزافه جسدياً ونفسياً حتى آخر رمق، كُلّ هذا لأن وزارة الصحة تُريد أن توفّر في النفقات، ويتنافس الوزراء المتعاقبون على أن تُبيّض التقارير المالية وجوههم أمام أسيادهم، وكأنّ إثبات الجدارة في وزارة الصحة لا يكون عبر تشييد المستشفيات والوحدات العلاجية المتطورة، بل عبر علاج أكبر عدد من المواطنين، بأقلّ كُلفةٍ مُمكنة، ترفُض الوزارة تعيين المزيد من الأطباء والممرضين رُغم حاجتها المُلحّة، ورغم بطالة الكثير من الأطباء الذين يبحثون عن فرصة عمل، وتُفضّل أن توفر على حساب صحة المواطنين، وإذا قامت بالتعيين،ضنّت عليهم بالرواتب التي تكفيهم للعيش كِفافاً.

وكأنّ أحد المسؤولين قال في دخيلة نفسه يوماً : " فليمُت الناس، لدينا كثيرٌ منهم، إنّهم يتناسلون كالجراد، هل نُريد هذا القدر حقّاً، ومن استطاع أن يعيش منهم، يكفيه من العمر خمسين عاماً، ثم إذا مات، فقضاءٌ وقدر، هل نحنُ من تسبب له بالسّكري أم جنت عليه جيناته التي ورثها من أبويه، هل يُريد الناس أن يُحاسبونا على ضعف تركيبهم واستعدادهم الفطريّ أيضاً، فليُقبّلوا أيديهم صباح مساء، ويحمدوا النعمة التي هُم فيها، في الصومال يموت الناس من الجوع، أما نحن فنُعالجهم، ليس كما نتعالجُ نحن في مستشفيات أوروبا، صحيح، فالدولة لن تستطيع الإنفاق على الجميع، ومن يموت، الله يرحمه "

في عمان، المدينة التي يسكُنها قرابة ٤ ملايين إنسان، في عاصمة الدولة التي صار عُمرها مئة عام، ثلاث مستشفيات حكومية فقط، التوتنجي الذي ينزوي في أقصى الشرق، وبسبب تعقيدات إدارية واختلالات، لا يقومُ بتحمل جزءٍ كافٍ من العبء المُفترض أن يقوم به، ومستشفى حمزة، الذي تحمّل كثيراً، وخدم ملايين الناس، وأجريت فيه عشرات الآلاف من العمليات، والذي احتوى على أقسام متخصصة لعلاج الأمراض القلبية والمزمنة وغيرها، ثم يتم إغلاق الطوارىء فيه ويقتصر على عمل العيادات ، ويبقى البشير وحده ينوءُ اليوم بالحمل وحده، يئِنُّ من فرط الضغط عليه، ويأتيه الناس من جميع أطراف عمّان للعلاج، إلى متى ستحتملُ مرافقه وتصمد، وكم من الضربات سيمتصُّ قبل أن يتهاوى، مستشفىً يشهدُ كُلّ حائطٍ مُتهالكٍ فيه على ساعات الانتظار الطويلة، والزحام، واختناق الأنفاس في قاعات الانتظار الضيّقة،




وفي مثل هذه الحالات لمعالجة خلل المنظومه الصحية يتحمل الكادر الطبيه المسؤوليه نتيجة تتهرب الادارات من مسؤوليتها، وبدل أن تعالج الخلل وتوسّع إمكانيات المستشفى وتضغط على رئاسة الوزراء لزيادة الإنفاق والتطوير في تقديم الخدمات الطبيه ، ستبحثُ عن كبشِ فداءٍ لتحميله المسؤولية، وشيطنته في الإعلام، ويستمرُّ مسلسل النزيف الدامي من أبناءِ الوطن المذبوح وبناته.

وفي النهاية أكرر في البشير من المرضى يموتون يومياً، لعدم قدرة الكادر الطبيّ على التعامل مع تيار المرضى المُتدفّقِ الذي يجتاحُ أروقة المستشفى، عمّان النابضة بالحياة كُلها، تقفُ اليوم على أكتاف البشير

رحمك الله يا لين ووسّع مُدخلك، وجعل وفاتكِ ووفاة كل ملاكٍ فقدناه عذاباً في ضمير كُلّ مسؤول فاسد، آثر توفير المال على تقديم الخدمة العلاجية المناسبة للناس، والله المستعان.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :