إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

شهادة د. ذوقان عبيدات في كتاب “من الكسارة إلى الوزارة”


عمان جو - سأتحدث عن رؤيتي لمحمد داودية من خلال ما كتب ومن خلال ما عايشت وخبرت مُباشرة.
فقد تزاملت معه بعد 1973 في المفرق، وبعد 1996 في عمّان، ولذلك اسمحوا لي أن أُسجل انطباعاتي

قلت في ديوان طي في بإربد 23/02/2018 ما يأتي:
كما يُقّلب الشاعر أطناناً أو مجلدات من الكلمات ليعثر على بيت شعر حلو واحد يفتتح به قصيدته أو يختمها، فإنك تُقلّب أطناناً من الوزراء والشخصيات بحثاً عن محمد داودية واحد تتخذه موثوقاً لك. فشتان بين وزير ووزير. رأيته وأجاهر بذلك: وزيراً ناشطاً موضوعياً لعله الوحيد ممن عرفت من وزراء يعتمد معايير الكفاءة بعيداً عما يعتمده المسؤولون الأردنيون الذين عرفت.
تقبّل كوزير للشباب فكرة الانتقال من العناية بالرياضة إلى العناية بالشباب، رياضة وعقلاً وعاطفة ليحاول إيجاد النقلات الآتية:
من اهتمام بالجسم إلى اهتمام بالشخصية المتكاملة.
ومن اهتمام بالرياضة التنافسية إلى الرياضة التربوية.
ومن اختلاف الرياضة والتربية إلى ائتلاف الرياضة التربوية.
ومن رياضة العضلات إلى رياضة الفكر والعضلات.
ومن رياضة الانفعال والحماسة إلى رياضة التوازن والحب.
أذكر انه طالَبَ سنة 1996 بوجود محطة تلفزيونية للرياضة وحدها، استغربت حينها، وماذا ستُذيع هذه القناة؟ ليأتيني الجواب مئات القنوات التلفزيونية الرياضية مدفوعة الأجر ! هكذا كان خيالاً تنبؤياً واسعاً.
لقد حفز وجوده في الشباب والرياضة زملاءه على تطوير استراتيجية شبابية تنقل الشباب إلى مهارات العصر، وحفز إلهامه وزارة الشباب لكي ترفع شعار
نُعلم الشباب ما لم تُعلمه لهم المدرسة والجامعة، وهكذا تحدثت وزارة الشباب عن مُشكلات أو تحديات الثقافة وحقوق الإنسان وحل الصراعات بأسلوب رابح-رابح، وبناء الأسرة وغيرها، نعم، جاءت هذه الانجازات بوحي منه وإن صدرت بعد مغادرته الوزارة بسنة.

أما محمد داودية المعلم فقد كان معلماً وأباً وقائداً مجتمعياً تعلّم من كل مكان عاش فيه، ومن كل شخص قابله، أو من كل من تأثر به.
تعلم من العامل الشريف ذهني رافت عن أهمية المُعارضة البناءة والفكر الحر.
وتعلّم من جده مزعل أن لا يسلّم أخاً له، وفي هذا دلالات كثيرة على سلوكه الإنساني.
وأن لا يسلم أحدا لها دلالات الشرف والقوة والوضوح وعدم الخيانة والترفع عن الصيد غير المشروع.
وتعلّم من قسوة الظروف كيف يدير موازنة حجمها عشرون ديناراً بين أولويات أكبر من مقدارها بكثير، بل واستمر في وضع الموازنات غير المتعادلة، فالنفقات تزيد على الواردات دائماً، بل وما زالت حتى الآن، يظهر العجز الفاضح في موازناته ولا أدري فيما إذا استبدت به أقساط الديون المتراكمة التي اضطرته إلى بيع منزله.
تعلم مهارات التدوير والاحتفاظ بمنتجات البيئة، وكان هذا التحويل منطلقا له في:
تحويل الأعداء إلى أصدقاء.
تحويل الفوضى حوله إلى نظام.
وتحويل الفراغ إلى عمل مُنظم. وحين تقاعد وشعر بالفراغ، فكّر في تشكيل مجتمع للحوار قاد به مجموعة من الشباب نحو حب الوطن والعمل من اجله.
ومن هيش الشوبك تعلم أن قسطا مؤقتاً من العتمة قد يؤدي إلى أقصى قدر من الحرية، فحين إطفأ “المعزب” عليهم السراج وفّر لهم حرية التصرف، فليس النور وحده هو من يوفر الحرية! إن إطفاء السراج علّم داودية بعض مهارات العمل السري في توزيع المنشورات وتبادل الكتب الممنوعة التي نالني منها نصيب.
تغلغل في تضاريس الوطن، وتعلم أن المسؤول الذي لا يعرف وطنه، لا يستطيع ان يحبه أو ان يعمل من اجله.
وتعلم من مدرسة السلع الابتدائية في محافظة الطفيلة، كيف يتعامل مع الشتيمة، بتجاوزها وهذا سمو وارتقاء وحضارة.
وكقائد مجتمعي، مارس المعلم داودية أدواراً متعددة:
فكان مرشداً اجتماعياً وكان طبيباً يقدم وصفات للشفاء وكان ضيف شرف في الأعراس، وكان طاهيا للطلاب يقدم وجبات ساخنة، وكان ناقداً إعلاميا لما يُبث ويُنشر.
وداودية كمعلم سطّر في سرديته تاريخ المعلم ومعاناته، ومسّ بشكل بسيط تاريخ التعليم، تحدث عن المكان المدرسي، وغرفة المدرسة وأدواتها كما تحدث عن ظروف المعلم، وقسوتها ومعاناة المعلمين، وحياتهم حيث لا ماء ولا طعام ولا دفء، تحدث عن أماكن أردنية زارها أو دخلها قبل أن تدخل إليها الكهرباء والماء والطرق أو أي مظهر حداثي آخر.
ومهما كان موضوع هذه السردية فقد كشف لنا فيها عن
معاناة الشعب الأردني وطريقة عيشه وتحديات بيئته.
معاناة المعلم الأردني وطريقة عيشه وتحديات بيئته.
وهذا جزء مهم من تاريخنا، على المؤرخ والباحث أن يدرسه ويحلله، فالتاريخ هو حياة الإنسان وليس مجرد حياة الحكام والقادة.
وفي حياته تعددية وغنىَّ، وماذا يعني أن يحظى شخص بأربع مُرضعات متنوعات؟ الرضاعة ليست حليباً إطلاقاً ! الرضاعة منهج في تقديم الحب والحنان والغذاء ! فإن تعددت المناهج اكتسب الطفل حنانات وليس حناناً. اكتسب أشكالاً مختلفة من الرعاية، ولعل الدرس الأكثر أهمية أن تعداد المرضعات يعني تعدد كل شيء. فلا شي في هذا الكون أحادياً غير الله. وما بقي فهو مناهج متباينة وثقافات متعددة وقيم مختلفة. فالتعددية عند داودية هي رضاعة وطبع وليس مجرد تعلم واكتساب.
والتعددية قادت داودية إلى تعدديات متنوعة، تعدد في الأصدقاء، تعدد في الأماكن، تعدد في الثقافات وتعدد في المهن. ومارس داودية الثلاثية المهنية،
تحدث في هذه السردية كثيراً عن التعليم أو المعلم. أهنئ المعلم الأردني بصدور هذه السردية، ففي قراءته لها سيشعر بمقدار ما حققه مناضلون سابقون.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :