إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

نكبة الحرية في العالم الغربي!


عمان جو-د. محمود أبو فروة الرجبي - تثير غزة مجموعة كبيرة من الأسئلة الـمتعلقة بالغرب مثل حرية التعبير، والديمقراطية، ومفاهيم مثل حقوق الإنسان، وحدود القدرة على التعبير عن النفس، وما الضوابط والحدود التي تقف في طريقها، والسؤال الأكبر هو: هل فعلا إن الغرب الذي صنع المفهوم الحديث للحريات، ليس لديه قيودا تحد منها؟


مقولة أن ما بعد أحداث غزة ليس ما قبلها تنطبق على كل شيء تقريبا، ومنها موضوع الحريات، ما حصل من حركة تعاطف عالمي مع غزة وما عانته من تدمير غير مسبوق، وتسوية الأرض بالمباني، وقتل المواطنين الأبرياء، ومحاصرة المسشفيات وقصفها، واغتيال الصحفيين بدم بارد، ثم تقييد حرية التعبير في الغرب التي شملت كل من يتعاطف مع غزة، يفرض علينا أسئلة كثيرة عن مدى صمود المفهوم الغربي للحرية في العالم، وهل ستمتلك هذه الدول وكل مؤسساتها، وقواتها الناعمة القدرة على تسويق هذه المفاهيم مرة أخرى، خاصة عندما نقرأ عن حوادث عديدة، لا مجال لذكرها هنا، لكثرتها، ولكن على سبيل المثال لا الحصر: فصل أستاذ جامعي لأنه عارض قتل دولة الاحتلال للأطفال، ومحاصرة فنان ومنعه من العمل لأنه انتقد بخجل تجويع الأطفال، وحصارهم الظالم؟ ثم شطب فعالية كاملة لأنها ستستخدم معرضا فنيا للتعبير عن التعاطف مع من قطعوا أشلاء بسبب القنابل المصنوعة في الغرب، والـمقدمة مجانا للجيش الأكثر أخلاقية في العالم – حسب زعم نتنياهو -.
تربينا في الدول العربية على الانذهال والاندهاش من حرية التعبير في الغرب، حيث يمكن أن تنتقد أي شيء، وبأي وسيلة، ما دمت لا تستعمل العنف، وقد غرقنا خلال العقود الـماضية في طوفان من الدعاية الإعلامية والفنية التي تسربت إلينا من خلال الدراما، والـمحتوى الإعلامي، وفتحنا أفواهنا على وسعها دهشة، وإعجابا بهذه الحرية المفقودة إلى حد كبير في غالبية بلداننا العربية، لنستيقظ ذات يوم، من غفلتنا، ونجد أن مجرد التعبير عن الحزن لقتل طفل غزي بطريقة بشعة يعد من الجرائم ضد السامية، بل ويؤدي مثل هذا التعبير إلى الطرد من العمل في بعض الدول الغربية.
وفي الجهة الأخرى، تشكل الـمدرسة الإعلامية الغربية، وخاصة الأميركية إلهاما لكل إعلامي أو كاتب يطمح إلى حرية سقفها السماء، وفضاء مفتوح تستطيع أن تقول فيه ما تريد دون أن تخاف، أو تشغل ماكينة الفلاتر الألف قبل أن تنطق بكلمة، كي لا تذهب وراء الشمس، ومرة أخرى تضرب وجوهنا عاصفة من الأخبار المتواترة، بل والفيديوهات الواضحة التي تظهر كيف أنه لا يسمح في الغرب سوى لسردية واحدة، ورواية منفردة، وتفاجأ أكثر عندما تجد مذيعين كبارا يعتبرون أن مجرد الحديث عن الضحايا الفلسطينيين مسألة غير قابلة للنقاش، وخارج الإطار التعبيري، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرا.
نحن العرب نحن الحياة مثلنا مثل الشعوب الأخرى، ونريد أن نعيش حياة أفضل، ونقدس قيم الحرية، والديمقراطية، وأهم من ذلك، أننا نعتبر حقوق الإنسان حق لأي إنسان بغض النظر عن دينه، وشكله، ولون بشرته، وعرقه، ومع ذلك، فنحن – وبسبب موقعنا الجغرافي- ونتيجة للصراع العربي الإسرائيلي نتهم دائما بالإرهاب، وكراهية الحياة، ومعاداة القيم الغربية، والحقيقية التي لا لبس فيها وظهرت بعد العدوان على غزة، هي أن الغرب في غالبيته هو الذي يخالف القيم الغربية، وهو الذي يفصل الديمقراطية وفقا لمصالحه، والأهم بما يخدم دولة الاحتلال المدللة أكثر من الدول الغربية نفسها، والتي تعيش منذ خمس وسبعين سنة فوق القانون الدولي، والإنساني، وكل الأعراف الأخلاقية العالمية.
لدينا مليون دليل الآن على أن من يحتاج إلى دورات في الحرية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، هم من يحاولون منذ عقود أن يسوقوا بضاعتهم لدينا، لنكتشف فجأة أنها مجرد وهم، يسقط أمام أول اختبار ضد مصالح من يدعونها.
لا بد أن نضع النقاط على الحروف، وندعو إلى أن يصبح العالم أكثر إنسانية، وأن تتوقف الدعاية الغربية القائمة – في غالبيتها – على الضخ الإعلامي الذي يشيطن الآخر، ولا يتقبل بأي حال من الأحوال أي نظام أو حكومة تفكر بطريقة ثانية، وأن نجعل العالم أكثر أمنا، وحياة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال المقاربة الأردنية والعربية التي تعتبر أن حل القضية الفلسطينية العادل هو المدخل لأي استقرار حقيقي في العالم.
الوجه البشع للعالم يظهر بشكل أكثر، وأكبر، وننتظر بفارغ الصبر عالـما أكثر عدلا، فمتى يحصل ذلك؟ هذا هو السؤال المحير.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :