عرض “كنوز غزة المُنقذَة” في معهد العالم العربي بباريس
عمان جو - يعرض معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس مصير قطع أثرية تحمل آثار التاريخ الغني لقطاع غزة الفلسطيني، ويوثق تدمير ما كان يوماً ميناء على البحر الأبيض المتوسط.
“ لا يجب أن نلقي تراث غزة في البحر!”.. بهذه العبارة، افتتح رئيس معهد العالم العربي بباريس جاك لانغ هذا الأسبوع المعرض الاستثنائي “كنوز غزة المنقذة.. خمسة آلاف عام من التاريخ”، والذي يُقام حتى الثاني من نوفمبر المقبل في معهد العالم العربي (IMA) بباريس.
اعتبر جاك لانغ أن “هذا المعرض هو فعل مقاومة!”، في الوقت الذي لم يعد فيه الجيب الفلسطيني، الذي دمّرته الحرب مع إسرائيل منذ 18 شهراً، سوى حقل خراب واسع ومقبرة لنحو 50 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة.
يرى جان بابتيست هامبير، عالم الآثار البارز الذي كرّس حياته للتنقيب في أراضي غزة، أن المعرض هو “تكريم لشعب غزة”. كما يوجه رسالة ضمنية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحلم، بحسبه، بتحويل هذا الرمز للموت والدمار إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” خالية من سكانها.
بحسب الأمم المتحدة، التي تراقب 120 موقعاً عبر الأقمار الصناعية، فإن 1.8 مليون فلسطيني بلا مأوى، فيما دُمّر “ثلثا التراث التاريخي في القطاع أو تعرّض لأضرار”. في مقابل هذا الدمار، يسلّط معهد العالم العربي بباريس الضوء على الثروة الثقافية القديمة لهذه الرقعة الساحلية الصغيرة.
توضح إلودي بوفار، منسقة المعرض: ”انطلقنا من فكرة تراث تاريخي يعاني، ورغبنا في أن نُعيد لغزة تاريخها، ماضٍ منسي جرفته المأساة التي تحدث هناك”.
من بين ما يعرضه المعرض: جولة ثلاثية الأبعاد داخل دير القديس هيلاريون، المشيّد عام 329 ميلادي، أحد أقدم الأديرة في الشرق الأوسط؛ والذي أدرجته اليونسكو في يوليو/ تموز عام 2024، ورغم الحرب، على لائحة الممتلكات الثقافية المحمية دوليًا. وهو أحد الجواهر النادرة التي نجت من القصف الإسرائيلي.
عنصر بارز آخر في المعرض هو رسم خريطة للمعالم المعرضة للخطر. هذه الخريطة ثمرة عمل علمي فريد أنجزه نحو أربعين باحثًا من مجالات التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا والآثار، بتنسيق من المؤرخ فابريس فيرجيني ضمن مشروع “غزة.. جرد لتراثٍ مُدمَّر”.
يقول فيرجيني: “إنها ثروة تراثية مذهلة في منطقة تُختزل غالباً في صورة مخيم لاجئين. والواقع أن غزة منطقة عمرها أكثر من 5 آلاف عام مرت عليها كل الحضارات”.
فمن الفراعنة إلى الفلستيين، ومن الإغريق إلى الرومان والبيزنطيين، ومن الدول الإسلامية إلى العثمانيين، كانت غزة واحة خصبة ومفترق طرق بين آسيا وأفريقيا.
ويتابع المؤرخ: “هو تراث غير معروف، وهو نسيج حضري، لمدينة قديمة لم نكن نتخيلها. ولهذا من المهم أن نُجسّدها. عندما تم تدمير جزء من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية سان بورفير، أدرك البعض أن هناك مسيحيين في غزة. لا يمكن القول إنه لم يكن هناك شيء. نحن نُظهر أن هذا المكان أو ذاك المعلم له أهمية في تاريخ السكان المحليين. إنه تراث إنساني.”.
يشهد على هذا التاريخ المجيد والمضطرب المسجد العمري الكبير في مدينة غزة، أحد أقدم المساجد في فلسطين. كان يتسع لما يصل إلى 4 آلاف مصلٍّ. دفع قبابه الحجري الثمن الأكبر، إذ تقول إسرائيل إنه كان يضم مقر قيادة لحماس. و ما تزال المئذنة قائمة، لكنها مدمّرة الرأس.
بُني المسجد عام 700م على أنقاض كنيسة بيزنطية من القرن الخامس. ثم تحول إلى كنيسة في عهد الصليبيين، ثم عاد مسجداً مع المماليك، الذين بنوا مئذنته. توسع المسجد في العصر العثماني، لكنه دُمر في 1917 بقصف بريطاني استهدف مستودع ذخيرة عثماني.
استنادًا إلى تقرير من منظمة إيكوموس (المجلس الدولي للمعالم والمواقع) بالتعاون مع اليونسكو، فإن المسجد استُهدف عدة مرات: مرتين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، ما ألحق أضراراً بالمئذنة. ثم قُصف مجددًا في 8 ديسمبر/أيلول عام 2023، ما أدى إلى تدميره جزئيًا.
أدرج فريق “تاريخ غزة” في جرده مواقع لم تُسجّل رسميًا كتراث، منها المقابر، التي تثير اهتمامًا خاصًا لدى الباحثين. ويقول أحد المؤرخين: “حدث تدمير متعمد للمقابر المدنية باستخدام الجرافات وقلب القبور، مما يحرم العائلات من زيارة موتاها. ”.
تقول الأنثروبولوجية فيرونيك بونتام: “الجرد ليس مجرد قائمة، والتراث ليس مجرد ذكريات. فقدانه يعني محوه من وجه البشرية. لا نرى سوى الموتى والأنقاض. هذا يُسهم في تجريد هذا الشعب من إنسانيته، بينما هي أماكن عاش فيها أناس ذات يوم”.
“ لا يجب أن نلقي تراث غزة في البحر!”.. بهذه العبارة، افتتح رئيس معهد العالم العربي بباريس جاك لانغ هذا الأسبوع المعرض الاستثنائي “كنوز غزة المنقذة.. خمسة آلاف عام من التاريخ”، والذي يُقام حتى الثاني من نوفمبر المقبل في معهد العالم العربي (IMA) بباريس.
اعتبر جاك لانغ أن “هذا المعرض هو فعل مقاومة!”، في الوقت الذي لم يعد فيه الجيب الفلسطيني، الذي دمّرته الحرب مع إسرائيل منذ 18 شهراً، سوى حقل خراب واسع ومقبرة لنحو 50 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة.
يرى جان بابتيست هامبير، عالم الآثار البارز الذي كرّس حياته للتنقيب في أراضي غزة، أن المعرض هو “تكريم لشعب غزة”. كما يوجه رسالة ضمنية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحلم، بحسبه، بتحويل هذا الرمز للموت والدمار إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” خالية من سكانها.
بحسب الأمم المتحدة، التي تراقب 120 موقعاً عبر الأقمار الصناعية، فإن 1.8 مليون فلسطيني بلا مأوى، فيما دُمّر “ثلثا التراث التاريخي في القطاع أو تعرّض لأضرار”. في مقابل هذا الدمار، يسلّط معهد العالم العربي بباريس الضوء على الثروة الثقافية القديمة لهذه الرقعة الساحلية الصغيرة.
توضح إلودي بوفار، منسقة المعرض: ”انطلقنا من فكرة تراث تاريخي يعاني، ورغبنا في أن نُعيد لغزة تاريخها، ماضٍ منسي جرفته المأساة التي تحدث هناك”.
من بين ما يعرضه المعرض: جولة ثلاثية الأبعاد داخل دير القديس هيلاريون، المشيّد عام 329 ميلادي، أحد أقدم الأديرة في الشرق الأوسط؛ والذي أدرجته اليونسكو في يوليو/ تموز عام 2024، ورغم الحرب، على لائحة الممتلكات الثقافية المحمية دوليًا. وهو أحد الجواهر النادرة التي نجت من القصف الإسرائيلي.
عنصر بارز آخر في المعرض هو رسم خريطة للمعالم المعرضة للخطر. هذه الخريطة ثمرة عمل علمي فريد أنجزه نحو أربعين باحثًا من مجالات التاريخ والجغرافيا والأنثروبولوجيا والآثار، بتنسيق من المؤرخ فابريس فيرجيني ضمن مشروع “غزة.. جرد لتراثٍ مُدمَّر”.
يقول فيرجيني: “إنها ثروة تراثية مذهلة في منطقة تُختزل غالباً في صورة مخيم لاجئين. والواقع أن غزة منطقة عمرها أكثر من 5 آلاف عام مرت عليها كل الحضارات”.
فمن الفراعنة إلى الفلستيين، ومن الإغريق إلى الرومان والبيزنطيين، ومن الدول الإسلامية إلى العثمانيين، كانت غزة واحة خصبة ومفترق طرق بين آسيا وأفريقيا.
ويتابع المؤرخ: “هو تراث غير معروف، وهو نسيج حضري، لمدينة قديمة لم نكن نتخيلها. ولهذا من المهم أن نُجسّدها. عندما تم تدمير جزء من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية سان بورفير، أدرك البعض أن هناك مسيحيين في غزة. لا يمكن القول إنه لم يكن هناك شيء. نحن نُظهر أن هذا المكان أو ذاك المعلم له أهمية في تاريخ السكان المحليين. إنه تراث إنساني.”.
يشهد على هذا التاريخ المجيد والمضطرب المسجد العمري الكبير في مدينة غزة، أحد أقدم المساجد في فلسطين. كان يتسع لما يصل إلى 4 آلاف مصلٍّ. دفع قبابه الحجري الثمن الأكبر، إذ تقول إسرائيل إنه كان يضم مقر قيادة لحماس. و ما تزال المئذنة قائمة، لكنها مدمّرة الرأس.
بُني المسجد عام 700م على أنقاض كنيسة بيزنطية من القرن الخامس. ثم تحول إلى كنيسة في عهد الصليبيين، ثم عاد مسجداً مع المماليك، الذين بنوا مئذنته. توسع المسجد في العصر العثماني، لكنه دُمر في 1917 بقصف بريطاني استهدف مستودع ذخيرة عثماني.
استنادًا إلى تقرير من منظمة إيكوموس (المجلس الدولي للمعالم والمواقع) بالتعاون مع اليونسكو، فإن المسجد استُهدف عدة مرات: مرتين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، ما ألحق أضراراً بالمئذنة. ثم قُصف مجددًا في 8 ديسمبر/أيلول عام 2023، ما أدى إلى تدميره جزئيًا.
أدرج فريق “تاريخ غزة” في جرده مواقع لم تُسجّل رسميًا كتراث، منها المقابر، التي تثير اهتمامًا خاصًا لدى الباحثين. ويقول أحد المؤرخين: “حدث تدمير متعمد للمقابر المدنية باستخدام الجرافات وقلب القبور، مما يحرم العائلات من زيارة موتاها. ”.
تقول الأنثروبولوجية فيرونيك بونتام: “الجرد ليس مجرد قائمة، والتراث ليس مجرد ذكريات. فقدانه يعني محوه من وجه البشرية. لا نرى سوى الموتى والأنقاض. هذا يُسهم في تجريد هذا الشعب من إنسانيته، بينما هي أماكن عاش فيها أناس ذات يوم”.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات




الرد على تعليق