إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

ما بعد التأهل التاريخي: هل تتحول الرياضة إلى رافد اقتصادي للأردن؟


عمان جو_النائب فراس القبلان
لم تعد إنجازات منتخبنا الوطني، وفي مقدمتها ترشحه التاريخي لكأس العالم ووصوله إلى نهائي كأس العرب، مجرد نجاحات رياضية تُسجَّل في الذاكرة ثم تُطوى.

نحن اليوم أمام لحظة مفصلية تتطلب قراءة أعمق، تتجاوز الاحتفاء بالنتائج إلى طرح سؤال جوهري: كيف يمكن تحويل هذا الإنجاز إلى قيمة اقتصادية مستدامة تسهم في خلق فرص عمل جديدة وتقليل نسب البطالة؟

ما تحقق لم يكن محض صدفة، بل نتاج تراكم بشري طويل، وإرادة شبابية أثبتت قدرتها على المنافسة في أصعب الظروف.

هذا الواقع يفرض علينا إعادة النظر في موقع الرياضة ضمن السياسات العامة، لا باعتبارها نشاطًا ترفيهيًا، بل كقطاع اقتصادي منتج قادر على رفد خزينة الدولة وتحريك عجلة النمو.

في التجارب العالمية، أصبحت الرياضة واحدة من أسرع القطاعات نموًا، لما لها من قدرة على تشبيك عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية.

فالاستثمار في كرة القدم والرياضة عمومًا لا يخلق وظائف داخل الملاعب فقط، بل يفتح فرص عمل واسعة في قطاعات السياحة الرياضية، والنقل، والضيافة، والإعلام، والاتصالات، والإعلان، والتسويق، وصناعة المحتوى، وإنتاج اللاعبين، وإدارة الأكاديميات، وسوق الانتقالات، والتحكيم، والإدارة الرياضية، والتحليل الرقمي والبيانات.

من هنا، فإن الحديث عن الاستثمار في الرياضة هو حديث مباشر عن فرص عمل حقيقية للشباب، وعن قطاع قادر على استيعاب آلاف الخريجين من تخصصات متنوعة، لا سيما في ظل التحديات المتفاقمة التي يفرضها سوق العمل التقليدي.

فالرياضة الحديثة لم تعد حكرًا على اللاعب، بل منظومة مهنية متكاملة، يمكن أن تشكل مسارًا وظيفيًا مستدامًا إذا أُحسن التخطيط لها.

الأردن يمتلك المقومات الأساسية للانطلاق في هذا الاتجاه؛ رأسمال بشري شاب، ومواهب مثبتة، وحضور متزايد على الخارطة الرياضية الإقليمية.

غير أن التحدي يكمن في الانتقال من الإنجاز الموسمي إلى التخطيط المؤسسي طويل الأمد، ومن الدعم الحكومي المحدود إلى شراكات استثمارية حقيقية مع القطاع الخاص.

في هذا السياق، تبرز الأندية الرياضية كحجر الأساس في أي مشروع اقتصادي رياضي ناجح.

المطلوب اليوم هو إعادة هيكلة دور الأندية، ودمجها في القرى والأرياف ضمن مشاريع تنموية محلية، وتمكين أندية المدن لتكون منصات إنتاج وتطوير لاعبين، لا عبئًا ماليًا دائمًا.

كما أن التوسع في إنشاء الملاعب الحديثة والأكاديميات المتخصصة لا يمثل كلفة إضافية، بل استثمارًا طويل الأمد في التشغيل والتوظيف.

لقد سبق أن طُرحت دراسات ومقترحات تدعو إلى خصخصة قطاع الرياضة الأردني أو إشراك القطاع الخاص فيه بشكل أوسع، بوصف ذلك أحد المسارات القادرة على تحرير هذا القطاع من محدودية الموارد، وتحويله إلى صناعة منتجة وقادرة على الاستدامة.

هذه الأفكار، التي لا تزال تنتظر نقاشًا جادًا على مستوى القرار، تستحق أن تُعاد إلى الواجهة في ضوء ما حققه المنتخب الوطني من حضور وإنجاز.

إن تحويل الرياضة إلى رافد اقتصادي للدولة ضرورة تمليها معادلات البطالة، وضغوط المالية العامة، وحاجة الشباب إلى فرص عمل حقيقية.

فالكرة اليوم لم تعد في الملعب فقط، بل في ملعب السياسات العامة والتخطيط الاقتصادي.

نحن أمام فرصة نادرة: إما أن نبقى أسرى الاحتفال بالإنجاز، أو أن نحسن استثماره ونحوّله إلى قطاع منتج، ومصدر دخل، ومساحة أمل جديدة للشباب الأردني.
والفرق بين الخيارين هو قرار.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :