إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الأستاذ علي مراد .. رجل الدولة الذي يفاوض العالم بهدوء الأردن


عمان جو_ليث الفراية

في لحظات التحوّل الكبرى، لا تتقدّم الأمم بالصدفة، ولا تُفتح لها أبواب العالم بالمجاملات، بل برجال يعرفون متى يتكلمون ومتى يصمتون، متى يفاوضون ومتى يرسّخون الثقة دون ضجيج هناك شخصيات لا تُكتب سيرتها بالمنشورات، بل تُقرأ في مسارات الدول، وفي هدوء العلاقات التي تنمو بعيدًا عن الكاميرات ومن هؤلاء رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الأردن الأستاذ علي مراد واحد من أولئك الذين لا يصنعون حضورهم بالصوت العالي، بل بالمعنى العميق، ولا يختصرون أدوارهم في ألقاب، بل يوسّعونها لتصبح جزءًا من صورة وطن يحاول أن يجد مكانه الطبيعي في قلب الاقتصاد العالمي.

من هنا تبدأ الحكاية، لا كرواية منصب، بل كسيرة عقل اقتصادي آمن بأن الأردن لا يحتاج من يروّج له، بل من يفهمه، ولا من يبالغ في وصفه، بل من يقدّمه كما هو "دولة تعرف حدودها، لكنها تعرف أيضًا طموحها، وتفهم تعقيدات الإقليم، لكنها لا تتنازل عن حقها في الشراكة العادلة" في هذا السياق، يبرز علي مراد، كرجل قرأ المرحلة بدقة، وقرّر أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد شاهد على التحديات.

من موقعه رئيسًا لغرفة التجارة الأوروبية في الأردن، لم يتعامل علي مراد مع المنصب كواجهة بروتوكولية، بل كمسؤولية وطنية مركّبة، تتطلب وعيًا سياسيًا، وخبرة اقتصادية، وحسًا إنسانيًا يدرك أن كل اتفاقية، وكل استثمار، وكل شراكة، لها أثر مباشر على الناس، على فرص العمل، وعلى صورة الأردن في أعين العالم هنا، لم يكن الرجل مجرد ممثل لمؤسسة، بل كان صوتًا عقلانيًا يقرأ المشهد بهدوء، ويقدّم الأردن كدولة قادرة على الحوار، والانفتاح، وبناء المصالح المشتركة دون أن تفرّط بثوابتها.

في تجربة علي مراد، تبرز القدرة على قراءة ما بين السطور؛ قراءة الاقتصاد كمنظومة سياسية واجتماعية وثقافية، لا كأرقام تُرصّ في تقارير حيث كان يدرك أن العلاقة مع أوروبا ليست علاقة سوق فقط، بل علاقة تاريخ، ومصالح متشابكة، ومسؤولية مشتركة تجاه الاستقرار والتنمية. لذلك، سعى لأن تكون غرفة التجارة الأوروبية في الأردن مساحة عقلانية تلتقي فيها الرؤية الأوروبية مع الواقعية الأردنية، بعيدًا عن الخطاب المثالي الذي لا يصمد أمام اختبار الواقع.

ما يميّز تجربة علي مراد، أنه لم ينظر إلى الاقتصاد بوصفه قطاعًا منفصلًا عن المجتمع، بل كرافعة أساسية للاستقرار والتنمية. كان يدرك أن الاستثمار الحقيقي يبدأ من الإنسان، وأن خلق فرص العمل، ونقل المعرفة، وتعزيز الشراكات النوعية، هي مفاتيح العبور إلى مستقبل اقتصادي أكثر صلابة لذلك، لم تكن لقاءاته مع الوفود الأوروبية مجرّد اجتماعات رسمية، بل مساحات لشرح الواقع الأردني بصدق، وإبراز الفرص الكامنة، وتقديم صورة دولة تحترم التزاماتها وتسعى للتحديث دون قفز في المجهول.

لقد تعامل مراد مع موقعه باعتباره أداة لتعزيز صورة الأردن كدولة مؤسسات، لا دولة مناسبات دولة تحترم الوقت، وتفهم لغة الالتزام، وتدرك أن الاستثمار الأجنبي لا يأتي بالوعود، بل بالثقة المتراكمة ومن هذا المنطلق، عمل على تحويل الحوار الاقتصادي إلى مسار مستمر، لا إلى لقاءات موسمية، وعلى ترسيخ مفهوم الشراكة طويلة الأمد، التي تقوم على نقل الخبرة، وتوطين المعرفة، وبناء قدرات محلية قادرة على المنافسة.

في عالم سريع التقلّب، حيث تتبدّل التحالفات وتتعقّد المصالح، برز علي مراد كرجل توازن، يفهم لغة الأرقام بقدر ما يفهم لغة السياسة، ويجيد الحديث مع المستثمر بقدر ما يصغي لنبض السوق المحلي حيث لم يكن همه استقطاب الاستثمار بأي ثمن، بل الاستثمار الصحيح، المستدام، الذي يضيف قيمة حقيقية للاقتصاد الأردني، ويحترم خصوصيته، ويعزّز قدراته، بدل أن يستنزفه.

ولعل أكثر ما يلفت في مسيرته، هو هذا التوازن الدقيق بين الانفتاح والحذر؛ انفتاح على الفرص الأوروبية بكل ما تحمله من قيمة مضافة، وحذر من الاستثمارات السريعة التي لا تترك أثرًا مستدامًا حيث كان واضحًا في موقفه "الأردن لا يحتاج إلى أرقام استثمارية تُجمّل العناوين، بل إلى مشاريع حقيقية تُغيّر الواقع، وتخلق فرص عمل، وتعزّز الثقة بالاقتصاد الوطني على المدى البعيد" .

في زمن تتسارع فيه الأزمات، وتضيق فيه مساحات القرار، بدا علي مراد رجل مرحلة، يفهم أن الاستقرار الاقتصادي ليس ترفًا، بل شرطًا أساسيًا للاستقرار الاجتماعي والسياسي لذلك، لم يكن حديثه عن التجارة منفصلًا عن حديثه عن التنمية، ولم تكن رؤيته للعلاقات الدولية منفصلة عن همّ الداخل الأردني حيث كان يرى في كل شراكة ناجحة فرصة لتعزيز صمود المجتمع، وفي كل مشروع نوعي خطوة نحو اقتصاد أكثر توازنًا وعدالة.

إن الحديث عن علي مراد هو حديث عن نموذج قيادي مختلف، لا يبحث عن الأضواء، ولا يختصر النجاح في منصب، بل يراه في الأثر المتراكم، وفي السمعة التي تُبنى مع الوقت فهو نموذج يؤمن أن دور المؤسسات الاقتصادية لا يقل أهمية عن دور المؤسسات السياسية، وأن صورة الأردن في الخارج تُرسم بقدر ما تُدار ملفات الاقتصاد بحكمة، ومسؤولية، وصدق.

لا يمكن قراءة تجربة علي مراد بمعزل عن السياق الوطني الأوسع فهو ليس مجرد رئيس لغرفة تجارة، بل عقل اقتصادي أدرك أن الدور الحقيقي يُقاس بمدى القدرة على بناء الجسور في زمن الانقسامات، وعلى خلق المساحات المشتركة في عالم يتجه نحو الانغلاق فتجربته تقول إن الأردن، رغم كل التحديات، ما زال يمتلك رجال دولة يعرفون كيف يُدار الحوار مع العالم، وكيف تُصان المصالح دون صدام، وكيف يُبنى المستقبل خطوة خطوة، بثقة، وهدوء، ومسؤولية.

هكذا تتشكل قصة علي مراد؛ قصة رجل اختار أن يكون جسرًا لا حاجزًا، وأن يمارس دوره بهدوء الواثقين، لا بضجيج المتسلقين رجل يدرك أن التجارة حين تُدار بعقل الدولة، تتحول إلى أداة سيادة، وأن الشراكات حين تُبنى على الاحترام المتبادل، تصنع مستقبلًا أكثر أمانًا وفي زمن يبحث فيه الأردن عن نماذج حقيقية للعمل العام المسؤول، يبقى علي مراد واحدًا من أولئك الذين يكتبون حضورهم بالفعل، لا بالادعاء، وبالإنجاز، لا بالشعارات.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :