إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

أسعار الأردن والمكون الفلسطيني… «إذا تنفس»


عمان جو - بسام البدارين

 

اختصرها ناشط إلكتروني متحمس بالعادة «عندما تنتفض المحافظات تغيب المخيمات».

هي على الأرجح محض مصادفة.. التقطت عيني هذه العبارة الهادفة والمهمة بعد ساعات فقط من غداء سياسي مع صديقين كان محور النقاش التحليلي فيه يحاول تفسير ظاهرة «عزوف المكون الفلسطيني» في الأردن عن المشاركة بحراكات الشارع.

المصادفة نفسها أن ذلك كله حصل بعدما تَمَكَّنْت من الاطلاع على نداء من ناشط معارض خارج الأردن يطالب الفلسطينيين بالتحرك إلى الشارع مع المكون الأردني الأساسي لمضايقة النظام ومعارضته وإجباره على التراجع عن رفع الأسعار.

وحصل فيما أثار شريط فيديو «مسيء للغاية» جدالا عاصفًا يظهر فيه مجموعة زعران من جمهور الوحدات يشتمون «أم أو أخت» كل لاعب من فريق الفيصلي يعلن المذيع الداخلي اسمه فيرد زعران النادي الفيصلي بعبارة منسقة جدًا تشتم بألفاظ نابية جمهور فريق الوحدات.

تَرحمْت طبعًا على المرحومة التي تحمل اسم «الروح الرياضية» في ملاعب كرة القدم.. حتى اتحاد كرة القدم وإزاء الحملة الشعبية المضادة لزعران الفريقين لم يستطع تجاهل الأمر فوجه تهمة مباشرة للفريقين بـ «إطلاق ألفاظ نابية» مع غرامة وعقوبة حرمان بمعدل مباراة لكل فريق من دون جمهور.

نعود لموضوعنا الرئيسي.. هل غادر صاحبنا الواقع والحقيقة عندما لاحظ أن المخيمات تغيب عندما تنتفض المحافظات.

هل المحافظات أصلا منتفضة؟.. في مسألة الأسعار لا يزيد عدد المعتصمين في شوارع الكرك والسلط مثلا على 1000 شخص يُقْسم صديقي الخبيث أن بينهم العشرات من رجال الأمن السريين وأصحاب الأجندات الخارجية، والمئات من الغاضبين والمنزعجين، لأن صفحات «العبث الذكي» في الانتخابات الأخيرة لم تفتح عن حصتهم وتجاهلتهم غرف العمليات لسبب او لآخر.

لست بصدد تحليل سيسيولوجي لعقل المتظاهرين في مدينتين فقط في الأردن ضد رفع الأسعار.. وبالتأكيد لست بصدد «إحصاء المكونات» ومطالبة كل من يدب الصوت في الشارع بدفتر العائلة للتدقيق في قيده المدني و تحديد هُوية جده الجغرافية… تلك مهمة الأجهزة الأمنية وهواة الإحصاء الكثيرين في المعارضة قبل الموالاة في الأردن.

..علميًا لا يمكنني القول إن العدد الذي يظهر في الشارع يمثل فعلا المحافظات.

في عرس واحد في مدينة السلط لزميل صحافي أحصيت نحو 2000 منسف أُخرجت للمدعوين، بمعنى عدد المدعوين يزيد على 6000 شخص، وليس سرا أن أحد شباب المدينة حضر ليلة الحنّة في عرسه 25 ألف شخص… يعني شئنا أم أبينا إن عدد من يعتصمون ضد الأسعار في السلط سواء أعجبنا أم أعجبهم أو لم يفعل يمثل حتى اللحظة أقلية بكل المعاني.

أنا شخصيًا شاهدت صورا لدعوة جماعية خلال الانتخابات في الكرك فيها عشرة أضعاف عدد المتحركين بفعالية ضد الأسعار في الشارع الكركي اليوم وأهمل مرشح للانتخابات في الأردن من شماله لجنوبه يستطيع أن يجمع بكل بساطة على المنسف البلدي جحافل من الجمهور أكثر بكثير من المتظاهرين اليوم او حتى أيام الدفاع عن القدس.

ليس سرًا على الإطلاق أن من بين المحتجين اليوم بالشارع بل من بين أعنفهم بعض رواد تلك المناسبات التي تُزيّف العقل وتخلو من المنطق والمفعمة بالتسحيج والنفاق لأدوات صغيرة في لعبة السلطة والدولة وليس للدولة نفسها.

عن اي انتفاضة يتحدث القوم ويطالبون المكون الفلسطيني المتهم بكل حال «إذا تنفس» بالخروج للشارع.

من جانبي كل الحق للأردنيين بالتظاهر السلمي والشعور بالقهر لأن القرارات الاقتصادية الأخيرة «وحشية ومستفزة» بكل المعايير، وما قدرته علنًا شخصيًا أن الشعور بالقلق هو الاتجاه الطبيعي لصانع القرار عندما يحتقن الناس فيحتفظون بمعارضتهم واحتجاجهم.

سأطمئن أكثر على الأردن، وتحديدًا على النظام والدولة والاستقرار لو تمكن الجمهور من الاعتراض السلمي الحضاري.. أقلق أكثر اليوم لأن أقلية من الناس يخرجون للشارع، ويخيفني الاحتقان وما تفعله الحكومة. أعلم جيدًا أن أفضل وصفة لاستفزاز الأردنيين الذين يتوسلون حكومتهم بأن لا تجبرهم على التحرك في الشارع فيما تضغط عليهم الحكومة يوميا وتطالبهم بالخروج والانتفاض.

أعود للسؤال الأساسي.. كنت شخصيًا تحت انطباع أن المكون الفلسطيني في الأردن يفهم الدرس جيدًا ويعيه ويقرر أن لا يخرج للشارع الأردني تحت شعار سياسي إلا عندما يتعلق الأمر بحق العودة والقدس، وكنت أتوهم أن جميع المواطنين شركاء اليوم في أعباء أسعار الرغيف.

لا أرى سببًا للاحتفال والبهجة عندما ألاحظ أن نصف المجتمع يتصرفون وكأنهم في «مطار دبي» ولا أرى سببًا لأي حكمة في الاعتداء على مستقبل الأردنيين جميعا بمنهجة سياسات الاقصاء والتهميش.

كما لا أرى سببًا يدفعني وغيري لمجاملة الفصام الذي يستهدف الأردني الفلسطيني بعلبة الاتهامات المألوفة كلما تحدث بـ «الشأن الأردني» ثم يعود اليوم ويطالب المكون في مدن الكثافة السكانية بالتحرك ضد النظام.

تصرفات الحكومة مع أزمة الأدوات تسحبان من رصيد النظام والدولة في قلوب الناس.. تلك حقيقة أفقية تشمل جميع المكونات.

أيام الربيع العربي حَضَرْتُ للأسف اجتماعا صاخبا لأقطاب المعارضة ضم 50 شخصا من أخشن الحراكيين.. صُدِمت بقيادي يساري يوجه الخطاب لي ضمنيا وهو يصر على أن حق النقاش في هذا الاجتماع لمن سمّاهم «الأردنيين بحت».

دقيقتان فقط، وتداخل معارض قومي وناصري غضنفر عبر تطوير صيغة «البحت» موضحا أن المعركة اليوم بين المكون الشرق الأردني والنظام راجيا من «الأشقاء الضيوف» من المكون الفلسطيني عدم التدخل والمطالبة بالإصلاح.

سمعت ذلك بأذنيّ ومعي سبعة من الزملاء الذين لا يزالون على قيد الحياة، ومن تحدث به ليس وزيرا أو ضابطا أمنيًا أو موتورا ذهانيا بل قادة في المعارضة من الصف القومي واليساري يلومون اليوم المكون الفلسطيني لأنه»سلبي» ولا يشارك في المعارضة.

من يطرح سؤال العزوف عند المكون الفلسطيني أحيله إلى تلك الواقعة لعله يجد جوابًا وإن كان هذا العزوف فعلا لا يعجبني وأراه إغراق في السلبية والاستلاب.

ختاما؛ وضع خبير في أذني همسًا الإجابة التالية عن نفس السؤال: دعاة ورموز حراك الشارع الأردني اليوم في أغلبهم دافعوا عن قرارات سحب الجنسية من الأردنيين من أصل فلسطيني وبرروها او لم يعترضوا عليها والمكون الفلسطيني بلا حماية قانونية… قد تكون تلك هي الإجابة.

 

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :