رقص طالبات على أغنية يثير الجدل .. وخبراء يوصفون المشهد
عمان جو -
ثار خلال اليومين الماضيين جدلٌ مجتمعيٌ واسع كانت ساحته مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات، حول مقطع فيديو تظهر فيه طالبات مدرسة يرقصن ويرددن كلمات أغنية تبثها الإذاعة المدرسية، رأى في كلماتها البعض خروجًا عن قيم وتقاليد مجتمعنا الأردني وتقصيرًا من إدارة المدرسة بتوجيه الفتيات التوجيه الصحيح باختيار الأغنية وكلماتها التي ينبغي أن لا تخرج عن سياق الأخلاق، فيما ينظر آخرون للمشهد في سياق الفرح الذي لا يجوز اجتزاؤه من سياقه لتأويلات غير صحيحة، الأمر الذي يعبر عن "نفاقٍ كبير" يعيشه مجتمعنا اليوم ولا يعترف به، كجزء من الثقافة السائدة فيه.
وأكد حسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين في توصيفه للجدل المجتمعي الدائر حول القصة بالقول: "إن واحدة من الخصائص التي يتمتع بها المجتمع الأردني هي الكرم في الطعام والبخل في إظهار المشاعر، وبالتالي نجد دائماً كأطفال أو كناضجين عندنا تحفظات في إظهار فرحنا سواءً داخل الحفلات العامة أو اللقاءات أو حتى عند ذهابنا لحفلات موسيقية وهي مخصصة لهذه الغاية".
وقال محادين في تصريحاتٍ لـ "البوصلة" إن التشنج في التعامل مع قصة الطالبات يعود إلى جذور التنشئة الاجتماعية لدينا، إذ أنها جذور صارمة بحكم ثقافة الصحراء، مؤكداً أن "الصحراويين" دائمًا – مع الاحترام – ينظرون إلى الفنّ نظرة دونية، وبالمقابل لا يقدرون فكرة الترويح عن النفس، ونحن نتحدث هنا عن الترويج الإيجابي بما فيه الموسيقى والفن والتأمل والفرح المشترك، على حد وصفه.
واستدرك بالقول: بالتالي نجد أن هذه الثقافة تؤثر بدرجات متباينة بين منطقة وأخرى، والسؤال الأهم هل لدينا أغانٍ متخصصة للفتيان والفتيات؟ ومن الذي ينتج هذه الأغاني؟ ألسنا نحن الكبار؟ نحن نعلم أن اليوم المفتوح هو يوم حر وخارج عن السائد الروتيني أي أن ترويح النفوس كي لا تهرم ولا تجد نفسها أمام صعوبات إضافية لصعوبات الحياة.
ويعتقد محادين أن فكرة الغناء والفنّ فكرة إيجابية جدًا تساهم في النموّ المتوازن للفتيان خصوصًا في فترة المراهقة وما بعدها، مضيفًا أنه لا بد من القول بأن التكنولوجيا بقدر ما وفرت لنا من فرص للاطلاع على متع الحياة المختلفة، وفرت فرصًا سلبية للبعض بحيث يقتنص الآخر بصورة أو فيديو بهدف غير إيجابي أقل ما يقال فيه، على حد تعبيره.
ويرى خبير علم الاجتماع أننا في أعراسنا وبيوتنا وفي أماكن مختلفة خلال التجوال والسياحة يلجأ أبناؤنا للغناء والفنّ والرقص، وهذه من معالم الصحة خاصة أنها خارج أوقات الدوام والتعليم المنهجي وخصوصاً أننا عانينا في السابق من "نظرة واحدية" قاصرة تجاه الفنون بأشكالها المختلفة وتجاه الإناث أيضًا، ونحن في مجتمع أصبحت إحدى الأدوات المهمة للتواصل فيه هي الموسيقى.
وتابع حديثه بالقول: نلاحظ بشكل آخر مع فارق المحتوى أن كثيرًا من الأغاني التي بثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم تقليدها على مستوى العالم بمختلف اللغات، فالموسيقي لغة صحية وعالمية ومن شأنها أن تفتق كثيرًا من مكامن الجمال في النفس البشرية.
ورفض محادين الربط الذي يحلو للبعض إجراؤه، بوصف ما يجري على أنه منظومة لاستهداف أبنائنا وقيمهم وأخلاقهم، بالقول: لنكن صرحاء أن كل حال يجب أخذها على حدة ولا يجوز ربطها في الأخرى، وما هو متداول من الأغاني والحفلات الفنية التي فيها انضباط ونوع من الفرح مختلف عن أي نوع آخر، وأبناؤنا لا نربيهم نحن بالدرجة الأولى كما كنا في السابق بل إن وسائل التواصل الاجتماعي ولغة الصورة والموسيقى الدولية أصبحت مؤثرة جداً في بنيتهم بدليل أن بعضهم لم يعد يتحدث العربية بطلاقة ولا الإنجليزية بطلاقة فظهر لدينا الهجين المرتبط بـ "العربيزي" سواء في الأغاني أو في الكلمات والتعبير.
وأكد أن من السمات الطبيعية والمشجعة لدى الفتيان والفتيات امتلاكهم لذائقة فنية راقية تجعلهم يرتقوا بحواسهم وقادرين على التقاط ما هو باهي وما هو مفرح وإيجابي دون النظرة إلى سوداوية تفسير البعض الذين نحترم آراءهم وإن اختلفنا معهم، لكن أعتقد أن علينا أن نزيد من حصص الموسيقى والفن ومن شأن ذلك أن يعمق ويرتقي بذائقتنا ويرتقي بقيم الحياة النبيلة.
وحول رفض كلمات الأغنية والمطالبة برقابة مشددة من المدرسة وتوجيه الطلبة لاستماع أغانٍ وطنية أو أغانٍ هادفة، يرى محادين أن علينا أن لا نوثن الوطن فالوطن منجز وحرية تعبير وهو يعني القدرة على إبداء الرأي وإظهار الحرية الفردية فالوطن ليس جغرافيا، فمن حق الطلاب في الوقت الحر أن يختاروا ويعبروا عن مشاعرهم بصدق دون تورية، مستدركاً بالقول: ولكن إذا كان مثل هذه الفعاليات موجودة ضمن مدارس أو أماكن منظمة يفضل أن تكون الأمور أقل في انطلاقها وكما وصفه البعض.
وأشار إلى أن ما يطرب أحدنا لا يطرب الآخر من حيث الكلمات، ومن الصعب خلق أغنية موحدة لكل الفتيان والفتية، وأنا مع أن يعاش الوقت الحر كما هو دون ضوابط لكن تحت مظلة النظام العام للمدرسة أو الجامعة أو أي رحلة تشاركية خصوصاً أنها ليست مرتبطة بشخص بل مرتبطة بمجموعة من الأشخاص قدموا وهم من خلفيات متعددة وبالتالي متؤثرين بثقافات فرعية متعددة.
وشدد محادين على أن الفرح ليس له تصنيف، ولا يجوز أن نؤطر الفرح في قرار مركزي بهذه الأغنية أو تلك ولندع الأمور بعفويتها وأن لا نخشى من النكات والفرح والدعابة كما نفعل عادة كأردنيين فنعتذر عن فرحنا، وأجمل ما في الفرح كسر الاعتياد والخروج عن المألوف دون إيذاء الآخرين.
ونوه إلى أن ضغوط الحياة توجب علينا أن نعطي أبناءنا فسحة من الفرح ما دام الكبار أقل فرحًا للأسف، وأن لا نصادر أفراحهم أو نعيدهم لـ "حظيرتنا النمطية"، ناصحًا الأهل بأن يربوا أبناءهم لجيلٍ غير جيلهم.
وختم خبير علم الاجتماع بالقول: "أجمل ما في الفرح عفويته، وأصدق ما نحتاجه هو الصدق في التعبير عن هذه العفوية، وليس الوقوف بانتظار ماذا سيفسر فلان وماذا ستفسره فلانة، نحن نقول نحن بشر لا نكتمل وعلينا أن نعيش حياتنا ونحترم القيم المشتركة في الجمال والفن والذوق".
بين الصدمة والنفاق الاجتماعي
الإعلامي حسام غرايبة أثار عددًا من التساؤلات حول غناء الطالبات ورقصهن على أنغام الأغنية، قائلا: ما الذي يحدث في وزارة التربية والتعليم؟، ومن أين حفظت الطالبات هذه الأغنية؟، منوهًا إلى أننا إذا أمعنا النظر أثناء مشينا في السوق سنجد الشباب يضعون مختلف أنواع الأغاني وأحيانا لا يدقق أحد في محتوى كلماتها.
وأشار غرايبة إلى أن بعض الشعراء المتيمين والمغرمين يكتبون أغنيات تنطلق في السوق وتنتشر كالنار في الهشيم.
وعلق على تشكيل وزارة التربية والتعليم للجنة تحقيق في الموضوع، متسائلاً: تحقيق بماذا؟ وهل ستحقق التربية مع الطالبات من أين حفظن الأغنية ولماذا اجتمعن في اجتماع كبير في المدرسة؟ أم ستحقق من الذي وضع الأغنية في الإذاعة المدرسية؟ وهل لدى وزارة التربية معايير واضحة ما الذي يوضع في الإذاعة المدرسية وما يتم منعه؟
وتابع تساؤلاته بالقول: "لو وضعوا أغنية لفيروز بدلا من تلك الأغنية، من يقول نعم ومن يقول لاء وهل هي تخضع لإدارات المدارس أو لوزارة التربية".
وأكد غرايبة أن أخطر ما في الموضوع أننا نتحدث عن ثقافة مجتمع، فالبعض يقول خلي البنات يفرحوا، ولكن ليس على وقع كلمات "أشبعك حب وحنان"؟ في الوقت الذي يرى فيه آخرون ذلك خروجًا عن قيمنا وأخلاقنا.
وتابع حديثه: بدون تشنج نحن أمام ما تكشفه السوشيال ميديا، يصلنا كل ما في المجتمع وعدم وجود إجابات مقنعة وحوار ناضج حتى نشكل رأيًا جمعيا يجعلنا تائهين.
وأشار إلى أن الطالبات كن يغنين الأغنية بصوت منظم ومنسجمات مع الأغنية، متسائلاً: لو طلبنا من الطالبات أن يغنين موطني موطني، أو أغنية بلاد العرب أوطاني، هل يحفظنها؟، مطالبًا وزارة التربية والتعليم بإعادة التفكير والنظر في مثل هذه المواضيع.
وأكد غرايبة أن الإذاعة المدرسية وما يدور فيها وأهدافها يجب أن تتمحور حول إنشاء ثقافة لدى الطلاب منسجمة مع الثقافة التي تريدها وزارة التربية والتعليم، الأمر الذي يستدعي مراقبة ومتابعة الإذاعات المدرسية وإن كانت تؤدي الغرض المرجوّ منها.
وشدد على أن المعلمات والطالبات على حد سواء في هذه القصة هن جزء من ثقافة مجتمعية تحتاج لبحث وتمحيص والاستفادة من التجارب والدروس.
وحذر غرايبة من الإغراق في "النفاق الاجتماعي" إذ أنه يمكن أن يظهر عشرات الأردنيين منتقدين لما حدث بأنه خارج عن قيمنا، ولكنهم لا يمانعون بوضع الأغنية ذاتها التي رقصت عليها الطالبات في عرس ابنه بحجة أن الوقت وقت فرح.
وشدد على أن ثقافة المجتمع الصادقة تتمثل في أن ما أقوله وأنا مقتنع فيه أمارسه، إلا اذا كان يخالف عرف المجتمع أو القانون، أما ما يجري عند البعض من انفصام وتعدد في الشخصيات فهذه مشكلة تكرس النفاق الاجتماعي الكبير.
وختم حديثه بالتحذير من سوء الأوضاع وتراكم المشكلات بالقول: "ضاعت بوصلتنا ولا نعلم ماذا نريد ولا إلى أين نحن ذاهبون؟".
من جهته، يرى الإعلامي محمد أبو حلقة أن فيديو طالبات المدرسة الأساسية وهن يتمايلن ويرقصن على كلمات الأغنية كان صادما بالنسبة له، متسائلاً: ما هي الفكرة من ذلك وماذا يجري في مدارسنا؟
وطالب أبو حلقة خلال رسالة وجهها عبر برنامجه اليوم بإذاعة حياة الآباء والأمّهات بالقيام بدورهم في متابعة ما يسمعه أبناؤهم وبناتهم، مشددًا على ضرورة أن تكون رسالة المدرسة تمثل ما يتمناه الأهل ويرجونه من خير وصلاح لأبنائهم.
ونوه إلى أن اللوم لا يمكن أن يقع على عاتق الفتيات الصغيرات، ولكن السؤال الأكبر يوجه للمدرسة عندما يتم بث الأغنية للطالبات على إذاعة المدرسة.
وقال أبو حلقة: "لا ألوم الفتيات الصغيرات وفي مقتبل العمر ولا نضع اللوم على التربية ولكن عندما توضع مثل هذه الأغنية على سماعات المدرسة لترددها الطالبات ويرقصن على ألحانها".
عمان جو -
ثار خلال اليومين الماضيين جدلٌ مجتمعيٌ واسع كانت ساحته مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات، حول مقطع فيديو تظهر فيه طالبات مدرسة يرقصن ويرددن كلمات أغنية تبثها الإذاعة المدرسية، رأى في كلماتها البعض خروجًا عن قيم وتقاليد مجتمعنا الأردني وتقصيرًا من إدارة المدرسة بتوجيه الفتيات التوجيه الصحيح باختيار الأغنية وكلماتها التي ينبغي أن لا تخرج عن سياق الأخلاق، فيما ينظر آخرون للمشهد في سياق الفرح الذي لا يجوز اجتزاؤه من سياقه لتأويلات غير صحيحة، الأمر الذي يعبر عن "نفاقٍ كبير" يعيشه مجتمعنا اليوم ولا يعترف به، كجزء من الثقافة السائدة فيه.
وأكد حسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين في توصيفه للجدل المجتمعي الدائر حول القصة بالقول: "إن واحدة من الخصائص التي يتمتع بها المجتمع الأردني هي الكرم في الطعام والبخل في إظهار المشاعر، وبالتالي نجد دائماً كأطفال أو كناضجين عندنا تحفظات في إظهار فرحنا سواءً داخل الحفلات العامة أو اللقاءات أو حتى عند ذهابنا لحفلات موسيقية وهي مخصصة لهذه الغاية".
وقال محادين في تصريحاتٍ لـ "البوصلة" إن التشنج في التعامل مع قصة الطالبات يعود إلى جذور التنشئة الاجتماعية لدينا، إذ أنها جذور صارمة بحكم ثقافة الصحراء، مؤكداً أن "الصحراويين" دائمًا – مع الاحترام – ينظرون إلى الفنّ نظرة دونية، وبالمقابل لا يقدرون فكرة الترويح عن النفس، ونحن نتحدث هنا عن الترويج الإيجابي بما فيه الموسيقى والفن والتأمل والفرح المشترك، على حد وصفه.
واستدرك بالقول: بالتالي نجد أن هذه الثقافة تؤثر بدرجات متباينة بين منطقة وأخرى، والسؤال الأهم هل لدينا أغانٍ متخصصة للفتيان والفتيات؟ ومن الذي ينتج هذه الأغاني؟ ألسنا نحن الكبار؟ نحن نعلم أن اليوم المفتوح هو يوم حر وخارج عن السائد الروتيني أي أن ترويح النفوس كي لا تهرم ولا تجد نفسها أمام صعوبات إضافية لصعوبات الحياة.
ويعتقد محادين أن فكرة الغناء والفنّ فكرة إيجابية جدًا تساهم في النموّ المتوازن للفتيان خصوصًا في فترة المراهقة وما بعدها، مضيفًا أنه لا بد من القول بأن التكنولوجيا بقدر ما وفرت لنا من فرص للاطلاع على متع الحياة المختلفة، وفرت فرصًا سلبية للبعض بحيث يقتنص الآخر بصورة أو فيديو بهدف غير إيجابي أقل ما يقال فيه، على حد تعبيره.
ويرى خبير علم الاجتماع أننا في أعراسنا وبيوتنا وفي أماكن مختلفة خلال التجوال والسياحة يلجأ أبناؤنا للغناء والفنّ والرقص، وهذه من معالم الصحة خاصة أنها خارج أوقات الدوام والتعليم المنهجي وخصوصاً أننا عانينا في السابق من "نظرة واحدية" قاصرة تجاه الفنون بأشكالها المختلفة وتجاه الإناث أيضًا، ونحن في مجتمع أصبحت إحدى الأدوات المهمة للتواصل فيه هي الموسيقى.
وتابع حديثه بالقول: نلاحظ بشكل آخر مع فارق المحتوى أن كثيرًا من الأغاني التي بثت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم تقليدها على مستوى العالم بمختلف اللغات، فالموسيقي لغة صحية وعالمية ومن شأنها أن تفتق كثيرًا من مكامن الجمال في النفس البشرية.
ورفض محادين الربط الذي يحلو للبعض إجراؤه، بوصف ما يجري على أنه منظومة لاستهداف أبنائنا وقيمهم وأخلاقهم، بالقول: لنكن صرحاء أن كل حال يجب أخذها على حدة ولا يجوز ربطها في الأخرى، وما هو متداول من الأغاني والحفلات الفنية التي فيها انضباط ونوع من الفرح مختلف عن أي نوع آخر، وأبناؤنا لا نربيهم نحن بالدرجة الأولى كما كنا في السابق بل إن وسائل التواصل الاجتماعي ولغة الصورة والموسيقى الدولية أصبحت مؤثرة جداً في بنيتهم بدليل أن بعضهم لم يعد يتحدث العربية بطلاقة ولا الإنجليزية بطلاقة فظهر لدينا الهجين المرتبط بـ "العربيزي" سواء في الأغاني أو في الكلمات والتعبير.
وأكد أن من السمات الطبيعية والمشجعة لدى الفتيان والفتيات امتلاكهم لذائقة فنية راقية تجعلهم يرتقوا بحواسهم وقادرين على التقاط ما هو باهي وما هو مفرح وإيجابي دون النظرة إلى سوداوية تفسير البعض الذين نحترم آراءهم وإن اختلفنا معهم، لكن أعتقد أن علينا أن نزيد من حصص الموسيقى والفن ومن شأن ذلك أن يعمق ويرتقي بذائقتنا ويرتقي بقيم الحياة النبيلة.
وحول رفض كلمات الأغنية والمطالبة برقابة مشددة من المدرسة وتوجيه الطلبة لاستماع أغانٍ وطنية أو أغانٍ هادفة، يرى محادين أن علينا أن لا نوثن الوطن فالوطن منجز وحرية تعبير وهو يعني القدرة على إبداء الرأي وإظهار الحرية الفردية فالوطن ليس جغرافيا، فمن حق الطلاب في الوقت الحر أن يختاروا ويعبروا عن مشاعرهم بصدق دون تورية، مستدركاً بالقول: ولكن إذا كان مثل هذه الفعاليات موجودة ضمن مدارس أو أماكن منظمة يفضل أن تكون الأمور أقل في انطلاقها وكما وصفه البعض.
وأشار إلى أن ما يطرب أحدنا لا يطرب الآخر من حيث الكلمات، ومن الصعب خلق أغنية موحدة لكل الفتيان والفتية، وأنا مع أن يعاش الوقت الحر كما هو دون ضوابط لكن تحت مظلة النظام العام للمدرسة أو الجامعة أو أي رحلة تشاركية خصوصاً أنها ليست مرتبطة بشخص بل مرتبطة بمجموعة من الأشخاص قدموا وهم من خلفيات متعددة وبالتالي متؤثرين بثقافات فرعية متعددة.
وشدد محادين على أن الفرح ليس له تصنيف، ولا يجوز أن نؤطر الفرح في قرار مركزي بهذه الأغنية أو تلك ولندع الأمور بعفويتها وأن لا نخشى من النكات والفرح والدعابة كما نفعل عادة كأردنيين فنعتذر عن فرحنا، وأجمل ما في الفرح كسر الاعتياد والخروج عن المألوف دون إيذاء الآخرين.
ونوه إلى أن ضغوط الحياة توجب علينا أن نعطي أبناءنا فسحة من الفرح ما دام الكبار أقل فرحًا للأسف، وأن لا نصادر أفراحهم أو نعيدهم لـ "حظيرتنا النمطية"، ناصحًا الأهل بأن يربوا أبناءهم لجيلٍ غير جيلهم.
وختم خبير علم الاجتماع بالقول: "أجمل ما في الفرح عفويته، وأصدق ما نحتاجه هو الصدق في التعبير عن هذه العفوية، وليس الوقوف بانتظار ماذا سيفسر فلان وماذا ستفسره فلانة، نحن نقول نحن بشر لا نكتمل وعلينا أن نعيش حياتنا ونحترم القيم المشتركة في الجمال والفن والذوق".
بين الصدمة والنفاق الاجتماعي
الإعلامي حسام غرايبة أثار عددًا من التساؤلات حول غناء الطالبات ورقصهن على أنغام الأغنية، قائلا: ما الذي يحدث في وزارة التربية والتعليم؟، ومن أين حفظت الطالبات هذه الأغنية؟، منوهًا إلى أننا إذا أمعنا النظر أثناء مشينا في السوق سنجد الشباب يضعون مختلف أنواع الأغاني وأحيانا لا يدقق أحد في محتوى كلماتها.
وأشار غرايبة إلى أن بعض الشعراء المتيمين والمغرمين يكتبون أغنيات تنطلق في السوق وتنتشر كالنار في الهشيم.
وعلق على تشكيل وزارة التربية والتعليم للجنة تحقيق في الموضوع، متسائلاً: تحقيق بماذا؟ وهل ستحقق التربية مع الطالبات من أين حفظن الأغنية ولماذا اجتمعن في اجتماع كبير في المدرسة؟ أم ستحقق من الذي وضع الأغنية في الإذاعة المدرسية؟ وهل لدى وزارة التربية معايير واضحة ما الذي يوضع في الإذاعة المدرسية وما يتم منعه؟
وتابع تساؤلاته بالقول: "لو وضعوا أغنية لفيروز بدلا من تلك الأغنية، من يقول نعم ومن يقول لاء وهل هي تخضع لإدارات المدارس أو لوزارة التربية".
وأكد غرايبة أن أخطر ما في الموضوع أننا نتحدث عن ثقافة مجتمع، فالبعض يقول خلي البنات يفرحوا، ولكن ليس على وقع كلمات "أشبعك حب وحنان"؟ في الوقت الذي يرى فيه آخرون ذلك خروجًا عن قيمنا وأخلاقنا.
وتابع حديثه: بدون تشنج نحن أمام ما تكشفه السوشيال ميديا، يصلنا كل ما في المجتمع وعدم وجود إجابات مقنعة وحوار ناضج حتى نشكل رأيًا جمعيا يجعلنا تائهين.
وأشار إلى أن الطالبات كن يغنين الأغنية بصوت منظم ومنسجمات مع الأغنية، متسائلاً: لو طلبنا من الطالبات أن يغنين موطني موطني، أو أغنية بلاد العرب أوطاني، هل يحفظنها؟، مطالبًا وزارة التربية والتعليم بإعادة التفكير والنظر في مثل هذه المواضيع.
وأكد غرايبة أن الإذاعة المدرسية وما يدور فيها وأهدافها يجب أن تتمحور حول إنشاء ثقافة لدى الطلاب منسجمة مع الثقافة التي تريدها وزارة التربية والتعليم، الأمر الذي يستدعي مراقبة ومتابعة الإذاعات المدرسية وإن كانت تؤدي الغرض المرجوّ منها.
وشدد على أن المعلمات والطالبات على حد سواء في هذه القصة هن جزء من ثقافة مجتمعية تحتاج لبحث وتمحيص والاستفادة من التجارب والدروس.
وحذر غرايبة من الإغراق في "النفاق الاجتماعي" إذ أنه يمكن أن يظهر عشرات الأردنيين منتقدين لما حدث بأنه خارج عن قيمنا، ولكنهم لا يمانعون بوضع الأغنية ذاتها التي رقصت عليها الطالبات في عرس ابنه بحجة أن الوقت وقت فرح.
وشدد على أن ثقافة المجتمع الصادقة تتمثل في أن ما أقوله وأنا مقتنع فيه أمارسه، إلا اذا كان يخالف عرف المجتمع أو القانون، أما ما يجري عند البعض من انفصام وتعدد في الشخصيات فهذه مشكلة تكرس النفاق الاجتماعي الكبير.
وختم حديثه بالتحذير من سوء الأوضاع وتراكم المشكلات بالقول: "ضاعت بوصلتنا ولا نعلم ماذا نريد ولا إلى أين نحن ذاهبون؟".
من جهته، يرى الإعلامي محمد أبو حلقة أن فيديو طالبات المدرسة الأساسية وهن يتمايلن ويرقصن على كلمات الأغنية كان صادما بالنسبة له، متسائلاً: ما هي الفكرة من ذلك وماذا يجري في مدارسنا؟
وطالب أبو حلقة خلال رسالة وجهها عبر برنامجه اليوم بإذاعة حياة الآباء والأمّهات بالقيام بدورهم في متابعة ما يسمعه أبناؤهم وبناتهم، مشددًا على ضرورة أن تكون رسالة المدرسة تمثل ما يتمناه الأهل ويرجونه من خير وصلاح لأبنائهم.
ونوه إلى أن اللوم لا يمكن أن يقع على عاتق الفتيات الصغيرات، ولكن السؤال الأكبر يوجه للمدرسة عندما يتم بث الأغنية للطالبات على إذاعة المدرسة.
وقال أبو حلقة: "لا ألوم الفتيات الصغيرات وفي مقتبل العمر ولا نضع اللوم على التربية ولكن عندما توضع مثل هذه الأغنية على سماعات المدرسة لترددها الطالبات ويرقصن على ألحانها".




الرد على تعليق