إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

عن العبودية في القرن الحادي والعشرين وتخاذل الإعلام


عمان جو _

عبر حقب التاريخ المرهَقِ لكثرة ما حُمِّلَ من أوجاع الهاربين من جحيم الحروب والإرهاب، التاريخ الذي لا يزال يحاكَمُ على جرائم البشر وتكتب باسمه انتصاراتٌ أزهقت أرواحا وأراقت دماء غالبا ما كانت باسم السلام والأمن والديمقراطية، ولم تكن في حقيقتها إلا للسيطرة على مقدرات أمم بأكملها كانت يوما ما حرّة ومنتجة ورفعت منارات العلم في شتى بقاع الأرض، فانتهى بها المطاف متسولة على أبواب قاتليها. عبر هذا التاريخ تقلبت مفاهيم العبودية وفق أمزجة القوة والعنف والإرهاب، وبالتآمر مع شركات الإعلام الضخمة على ما يمكن أن يصنّف من أبشع جرائم الكون، العبودية.
إن من أخطر أنواع العبودية وأوسعها انتشارا في العصر الحديث عبودية الدولة، فلا سيادة اقتصادية للنظام، ولا سياسية ولا اجتماعية أوغيرها من مفاهيم السيادة، لتصير دولاً لا تحمل من مقوماتها وصفاتها سوى الإسم. دول حولت شعوبها لعبيد نتيجة التبعية الاقتصادية والسياسية عبر اتفاقيات دولية أقصرت دورها على الإستهلاك وحرمتها من استغلال مواردها الطبيعية، وحتى أن دولا بعينها لا يسمح لها باستخراج مياهها الجوفية. فعلّمت شعوبها ثقافة الاستهلاك وأقنعت ذاتها بأن لا قدرة لها على الإنتاج. ولا يقتصر الأمر على المنتجات العسكرية بل يمتد إلى التكنولوجيا وحتى الخبز، لأن القمح مستورد في دول رفضت طوعا أن تطور قدراتها في الإنتاج الزراعي، فيما كانت ستغطي حاجة السوق العربية كاملة لولم ينخر الفساد أعمدتها. فتتلقى بالمقابل مساعدات إقتصادية، غالبا، أوديونا مالية مكفولة بتقديم تنازلات سياسية واقتصادية وموافقات غير مشروطة على تغيير البيئة الإجتماعية للدولة، حتى وصلت مناهج التعليم.
وقد تظهر العبودية أحيانا بأشكال قانونية، أوتَبدوجليّة بلونها القاتم الأصلي أحيانا أخرى، إن أغفلت عنها أعين الإعلام القذر أوتناستها لإيصال رسالة لا تحمل سوى التهديد والوعيد. وقد شارك الإعلام بالشراكة مع مؤسسات دولية ضخمة أحيانا، خاصة في الغرب، ولا يزال، في التغطية على هذا النوع من العبودية وروجت للفقر والظروف الإجتماعية وغيرها من أسباب تبدومعقولة للوهلة الأولى، متناسية أن السبب الرئيسي هوإرث الإستعمار في مناطق الفقر، والذي تركها لا تمتلك شيئا سوى أيد عاملة رخيصة وآفات اجتماعية وأنظمة فاسدة حولت شعوبها إلى عبيد. ولم يتحدث الإعلام حتى اللحظة عن استعباد دول بأكملها، بمساعدة القائمين عليها، والذين حصدوا تسهيلات مالية ومكاسب شخصية مقابل السماح باستعباد شعوبهم والإنقضاض على ثرواتهم الطبيعية وتقييد الإنتاج وتكبيل حرية الإقتصاد باتفاقيات ذات منفعة من طرف واحد.
لقد دمرت تلك الإتفاقيات الإقتصادات العربية تحديدا ومواردها الطبيعية وتحكمت في مستويات البطالة ومن له الحق في الغنى ومن يجب أن يموت من شدة الجوع. ووصلت حد التحكم في طبيعة المواد المستوردة لتلك الدول من مآكل ومشارب وحتى الملابس، وكل ذلك باتفاقيات مع شركات كبرى ومستوردين سيطروا على أسواقها. ولا يخفى تأثير ذلك كلّه على ثقافة شعوب المنطقة. فيما انتهزت دول أخرى الفرصة ونهضت بذاتها وقدمت نماذج حية في الصعود الإقتصادي وبروز دورها السياسي في المنطقة والعالم، فبدأت بتطوير قطاعاتها الإقتصادية ومكافحة الفساد واستخدام أموال الدولة لخدمة الشعب لا في تلميع مافيات سيطرت على مقدراتها، واستخدمت إعلامها في توعية وإدارة الرأي العام لصالح التطوير ومحاربة الفساد، لا من أجل التغطية عليه، فيما ركزت الأخرى على ما لا تستطيع شعوبها فعله وتركت ما يمكنهم إنجازه، فحاربت الإبداع كأول وسيلة لثبيت دعائم الفساد، فعين الوزير الفاسد مديراً فاسدا، وعين المدير موظفا فاسدا، فانقلبت البلاد رأسا على عقب.
وفق كل نظريات العلوم السياسية والإقتصاد وتجارب التاريخ التي لا تحصى، وحسب تجربة الجغرافيا العربية الضليعة في فهم الإستعمار وآثاره الماضية إلى اليوم، وبدراسة تجربة الغرب الذي مزّق ذاته يوما ما في حروب قتلت الملايين بإسم الدين في الحروب الصليبية، أوبهدف نشر المدنية كما فعلت إنكلترا وفرنسا، رغم أنه كان تغطية على نهب ثروات البلاد المستعمَرة، وبإسم نشر الديمقراطية كما يحدث إلى اليوم في كل قرية عربية تمتلك ولوبئر مياه جوفية، وفق كل ما سبق، فإن بلاد العرب لا تزال بعيدة عن الإستقلال السياسي بعدها عن الإستقلال الإقتصادي، وبعدها عن الإستقلال الديني الذي يربط القائد الديني بعلاقة وثيقة بالله وليس برأس السلطة الحاكمة، حيث يقرأ ويقرر ويُبرئ ويخوّن ويحكم بإسمها وليس بإسم الله. وعلى ذلك انتهت أحوال العرب والمسلمين في قواميس الوجع والتخلف ما بين التطرف والإرهاب وغيرهما من صنائع الغرب التي فرضت على الشرق بإسم دكتاتورييه وأصحاب العمامات التابعة لكتل السياسة بدأً بالحركات الإسلامية التي انفتحت على السياسة في أقصى اليمين، مرورا بالعلمانية ووصولاً إلى أقصى اليسار الذي بدوره حافظ على الباب نصف مفتوح يأخذ ما يليق به ويرمي بقاياه على اليمين والوسط.
ويبقى السؤال، لماذا لا يغطي الإعلام جرائم العبودية الإستعمارية تغطيته لبقية أشكالها!. فيما يتحدث بالمقابل بكثافة عن العنف والقتل والتطرف في تلك الدول، مشاركا بشكل أوبآخر في الترويج له عبر الصمت عن جرائم العبودية والإستغلال من جهة، وعبر لوم الضحية من جهة أخرى، فيهب «العبيد» للدفاع عن أنفسهم بالمزيد من العنف. ربما يكمن الجواب في البحث عن أصول شركات الإعلام الضخمة صاحبة التأثير الأكبر في كل بقاع الأرض، والتي ببحث بسيط نجدها تابعة إما لأنظمة الإستعمار الحديث ذاتها، أومملوكة لشركات تمول صناعة هذه العبودية وتعتبر من المتحكمين في اقتصادات الدول وشراء ذممها السياسية، أوتراها تغطي شراكات اقتصادية بين أنظمة العبودية وشركائها أوالمتواطئين معها في قصور اقطاعيي العصر الحديث.
إنه لمن المؤسف أن لا يعتبر القانون الدولي عدم تأمين حياة كريمة للمواطنين انتهاكا لأبسط حقوق الإنسان، وأن لا تسجّل التبعية الإقتصادية والسياسية لدول أخرى والسماح لها بالهيمنة على مقدرات الشعوب انتهاكا لحقهم في الحياة، وأن لا تصنّف المتاجرة بقضايا ومصائر الشعوب من جرائم الإرهاب. لقد وصل الأمر بالبعض حد قتل شعوبهم فقرا وقهرا وإذلالاً من أجل الحفاظ على المعونات الدولية، مضافا إليها ترسيخ شراكات وأموال واستثمارات خاصة. وإن هذا ليعتبر من أبشع جرائم الإنسانية.
ويتسابق في حلبات المنظمات الدولية، سياسيون وقيادات أحزاب تصنف ذاتها معارضة، فيما هي رهينة دول بعينها سياسيا واقتصاديا. منهم من ينقاد لأجل مكاسب سياسية على مستوى المجتمع الدولي، ضمن حملاتهم لتعزيز حقوق المواطن، فيما هم أول منتهكيها من خلال عدم توفير الوظائف وزيادة الضرائب ورفع الأسعار وقلة الأجور، وعدم منح مستحقات الضمان الاجتماعي وضعف الخدمات الصحية وارتفاع تكاليف التعليم. وتشير بعض الدراسات إلى أن الأوضاع الإقتصادية تعتبر من أكبر دوافع مرتكبي الجرائم في العالم، ولكن، وبما أن الإعلام الغربي صاحب فضل التمييز بين أنواع الجرائم حتى وإن تشابهت عناصرها من حيث الآليات وأعداد الضحايا، إلا أن اختلاف المكان والدين هما سيدا الموقف في تصنيفها ما بين جريمة أوتطرف أوإرهاب أوبدافع الكراهية، لأن هذه المؤسسات تخدم أجندات مؤسسات كبرى لها أذرعها في شتى بقاع الأرض.
ومنذ ان وضع مصطلح «الإرهاب» على لوائح شرف مجالس العالم كان رديف الإسلام غالبا، كدين، وليس كمجموعات متطرفة تخدم أجندات سياسية لا اشك أن أحدا لا يعرفها، تعمل وفق أمزجة دول عظمى، وأخرى طامحة للوصول إلى أعتاب تلك الأخيرة، ويدفع لها من المال والسلاح ما يكفي، فيما لواستخدم لخدمة السلام العالمي، لإشباع جياع الأرض لسنين طوال. ولم أسمع منذ أن استُحِدثَ مصطلح «الإرهاب» عن أية جماعة أودين قد وصف بالإرهاب، مهما عظمت جرائمه حتى يومنا هذا أكثر من الإسلام، فالنظام السوري يحرق شعبه ولم يصنف إرهابيا، وإسرائيل تحرق وتقتل كل ما وُجدَ على خريطة فلسطين ولم تصنف إرهابية، والكثير من جرائم القتل تدوي في صحف العالم يوميا ولم تصنف إرهابية. وبهذا يعود الفضل لمدارس الإعلام الغربي، فيما تنشغل أغلب مؤسسات الإعلام العربي بمحاربة أقرانها بإسم الأنظمة والطائفية والأحزاب السياسية العاجزة عن إصدار خطاب سياسي واحد يليق بشعوبها.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :