عمان جو-في ركن مهمل من العناوين الدولية، تستمر حرب السودان في سحق حياة ملايين المدنيين بلا هوادة. القتل، والتجويع، والتطهير العرقي، والإعدامات الميدانية، كلّها تُرتكب على مرأى من العالم، الذي يبدو منشغلاً بحروبه الأكبر، ويترك السودان يغرق في الجحيم، ومع كل أسبوع يمر، تتكشف فظائع ممنهجة تجلت بوضوح في الأشهر الخيرة خصوصا بعد سيطرة الجيش والجماعات الإسلامية الراديكالية على الخرطوم وأم درمان مؤخرا ، فيما تتراجع فرص الحل السلمي، وتزداد المؤشرات على تفكك داخلي متسارع داخل تحالف السلطة العسكرية.
مشاهد مروعة: الدم في الخنادق وأجساد بلا رؤوس في أحد المقاطع التي هزت منصات التواصل، جُرّ رجل مصاب بكسر في ساقه إلى خندق في أطراف أم درمان، وأُعدم ميدانيًا برصاص أحد جنود الجيش بينما كان زملاؤه يصورون ويشهدون الإعدام وسط الضحكات، قبل أن يُذبح أمام الكاميرا وسط هتافات الجنود، وثّقت مجلة منتدى الدفاع الإفريقي الحادث، مؤكدة أنه جزء من سلسلة إعدامات ميدانية ارتكبها جنود الجيش وميليشيات إسلامية حليفة، استهدفت بشكل ممنهج أفرادًا من دارفور والنوبة وسكان جنوب السودان في الخرطوم. وبحسب المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان، فإن مثل هذه الجرائم 'ازدادت مؤخرًا مع انتقال السيطرة على مساحات جديدة من الأراضي'، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات ليست استثناء بل سياسة حرب متكررة.
التجويع كسلاح: خنق الحياة تحت ذريعة القانون في واحدة من أكثر مظاهر الحرب قسوة، أصدر والي الخرطوم المعيّن من البرهان قرارًا بإغلاق المطابخ الشعبية، التكايا، وآبار المياه، بدعوى أنها تعمل خارج الأطر الرسمية. علّق تجمع المهندسين السودانيين على القرار بحدة، قائلًا: 'على الرغم من أهمية هذه التكايا والآبار لآلاف الأسر، فإن السلطة المحلية تتذرع بأن هذه الكيانات مجهولة، وتنفذ أعمالاً دون تنسيق، متهمة إياها ضمناً بالتكسب باسم المواطن'. هذا التضييق جاء متوازيًا مع تحذير عاجل من برنامج الأغذية العالمي من قرب انهيار عمليات الإغاثة بسبب نقص التمويل، ما يهدد حياة ملايين، في وقت تُسجل فيه العاصمة الخرطوم عشرات الوفيات بسبب الجوع، غالبيتهم من الأطفال، بحسب مكتب إعلام الأمم المتحدة. وقالت منظمة الهجرة الدولية إن 30 مليون سوداني – ثلثا سكان البلاد – يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، فيما حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من انهيار الزراعة، مصدر الدخل والغذاء لـ80% من السودانيين.
من الخرطوم إلى الجزيرة: نمط متكرر من العنف والتطهير تشير تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة محامو الطوارئ السودانية إلى استخدام قوات الجيش أساليب تتجاوز مجرد القصف العسكري. ففي حادثة وثقتها المنظمة في فبراير 2024، ألقت الطائرات الحربية براميل متفجرة على أحياء سكنية وأسواق في شمال كردفان، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين، في مناطق لا يوجد فيها أي نشاط عسكري. وفي حادثة أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش في أغسطس 2024، ظهر جنود البرهان وهم يعصبون أعين ثلاثة أطفال شبه عراة، ويدفعونهم إلى حفرة قبل إطلاق النار عليهم مرارًا، فيما قالت المنظمة إن هذا 'نمط موثق من جرائم الحرب المتكررة'.
التحالف مع الإسلاميين: هشاشة السلطة وتفكك داخل المؤسسة العسكرية يرى كاميرون هدسون، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن تحالف البرهان مع الإسلاميين 'تحالف هش ومصلحي'، وأضاف في تصريح له على منصة X: 'التحالف مدفوع بالطموح وليس القناعة، ويُسرّع من تفتيت السودان بدلًا من حفظ وحدته'. وأشار إلى أن هذا التحالف الفضفاض بين ميليشيات إسلامية، ومجموعات قبلية، وفصائل انتهازية، يفتقر لأي مشروع حقيقي، وبدأ يتآكل من الداخل، وسط فقدان البرهان وسلطات بورتسودان للشرعية السياسية، كما ورد في تقرير Global Policy Review.
التنكر للسلام: البرهان يرفض الحوار... ويدفع الشعب للجحيم رغم مبادرات إقليمية ودولية عديدة، يواصل البرهان رفض الجلوس إلى طاولة الحوار. ففي يناير 2024، رفض حضور قمة 'إيغاد' في أوغندا، التي دُعي إليها للقاء محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفي المقابل، قبل حميدتي الدعوة وكتب: 'نحن ملتزمون بحل سلمي ينهي الحرب في السودان، ويؤسس لسلام دائم وعدالة حقيقية، ودولة ديمقراطية لكل السودانيين'. هذا الانقسام في المواقف يُظهر بوضوح أن أحد الطرفين يراهن على البندقية فقط، بينما الآخر يطرح حلاً سياسيًا قابلًا للنقاش، وهو ما يؤكده مراقبون يرون أن البرهان يختار الاستمرار في الحرب لتثبيت حكمه بالقوة، لا لحماية السودان.
الإرهاب كأداة للحكم: اتهامات تتجاوز الداخل في مشهد لا يقل قتامة، تشير تصريحات الناشطة والمستشارة الدبلوماسية هبة الوسيلة إلى أبعاد خطيرة للحرب، قائلة: 'ما يحدث في السودان ليس نزاعًا أهليًا، بل خطة لإسقاط الدولة لصالح مشروع توسع جيوسياسي عبر البحر الأحمر، تُنفذ بتوجيه مباشر من الإسلاميين المتطرفين.'، وأضافت أن البرهان وحلفاءه 'يعدّون لعمليات إرهابية بالتنسيق مع إيران'، مشيرة إلى انخراط عناصر إخوانية سابقة في قيادة المعارك، وتجنيد الأطفال وتنفيذ غارات عشوائية ممنهجة.
'طعام للتماسيح'... حين يتحول الخطاب إلى قتل طائفي في يونيو 2024، تحدثت تقارير عن قيام جنود الجيش بقتل ثلاثة أسرى من قوات الدعم السريع، والتمثيل بجثثهم، وإلقائها في قناة مائية، بينما نشر أحد التابعين للجيش على وسائل التواصل تعليقًا قال فيه إن مقاتلي الدعم السريع 'سيصبحون طعامًا للتماسيح'. وتوالت الفظائع: في مارس 2025، قصف الجيش سوقًا في مدينة طُرة بدارفور، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، بحسب الأمم المتحدة. وتزامن هذا مع موجة قتل جماعي في ود مدني بعد دخول قوات الجيش ومليشيا البراء بن مالك الإسلامية المتطرفة ، حيث وثق منتدى الدفاع الإفريقي ما لا يقل عن 200 حالة قتل، شملت مدنيين وأسرى حرب.
هل لا يزال للعدالة مكان؟ ما يحدث في السودان اليوم يتجاوز سياق الحرب، ليتحول إلى عملية إبادة بطيئة مدفوعة بسياسات ممنهجة للقمع، والتجويع، والعنف العشوائي، ورفض أي مشروع مدني أو ديمقراطي. ومع إصرار البرهان على الحسم العسكري، وتواطؤ الإسلاميين في إعادة إنتاج سلطتهم، فإن الشعب السوداني يُسحق بين فكي كماشة: آلة الحرب، وصمت العالم. ومع كل مجزرة جديدة، وكل طفل يُدفن جائعًا، وكل مدني يُعدَم بدم بارد، يتأكد أن ما يحدث في السودان ليس فقط أزمة سياسية... بل جريمة دولية بحق الإنسانية.
عمان جو-في ركن مهمل من العناوين الدولية، تستمر حرب السودان في سحق حياة ملايين المدنيين بلا هوادة. القتل، والتجويع، والتطهير العرقي، والإعدامات الميدانية، كلّها تُرتكب على مرأى من العالم، الذي يبدو منشغلاً بحروبه الأكبر، ويترك السودان يغرق في الجحيم، ومع كل أسبوع يمر، تتكشف فظائع ممنهجة تجلت بوضوح في الأشهر الخيرة خصوصا بعد سيطرة الجيش والجماعات الإسلامية الراديكالية على الخرطوم وأم درمان مؤخرا ، فيما تتراجع فرص الحل السلمي، وتزداد المؤشرات على تفكك داخلي متسارع داخل تحالف السلطة العسكرية.
مشاهد مروعة: الدم في الخنادق وأجساد بلا رؤوس في أحد المقاطع التي هزت منصات التواصل، جُرّ رجل مصاب بكسر في ساقه إلى خندق في أطراف أم درمان، وأُعدم ميدانيًا برصاص أحد جنود الجيش بينما كان زملاؤه يصورون ويشهدون الإعدام وسط الضحكات، قبل أن يُذبح أمام الكاميرا وسط هتافات الجنود، وثّقت مجلة منتدى الدفاع الإفريقي الحادث، مؤكدة أنه جزء من سلسلة إعدامات ميدانية ارتكبها جنود الجيش وميليشيات إسلامية حليفة، استهدفت بشكل ممنهج أفرادًا من دارفور والنوبة وسكان جنوب السودان في الخرطوم. وبحسب المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان، فإن مثل هذه الجرائم 'ازدادت مؤخرًا مع انتقال السيطرة على مساحات جديدة من الأراضي'، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات ليست استثناء بل سياسة حرب متكررة.
التجويع كسلاح: خنق الحياة تحت ذريعة القانون في واحدة من أكثر مظاهر الحرب قسوة، أصدر والي الخرطوم المعيّن من البرهان قرارًا بإغلاق المطابخ الشعبية، التكايا، وآبار المياه، بدعوى أنها تعمل خارج الأطر الرسمية. علّق تجمع المهندسين السودانيين على القرار بحدة، قائلًا: 'على الرغم من أهمية هذه التكايا والآبار لآلاف الأسر، فإن السلطة المحلية تتذرع بأن هذه الكيانات مجهولة، وتنفذ أعمالاً دون تنسيق، متهمة إياها ضمناً بالتكسب باسم المواطن'. هذا التضييق جاء متوازيًا مع تحذير عاجل من برنامج الأغذية العالمي من قرب انهيار عمليات الإغاثة بسبب نقص التمويل، ما يهدد حياة ملايين، في وقت تُسجل فيه العاصمة الخرطوم عشرات الوفيات بسبب الجوع، غالبيتهم من الأطفال، بحسب مكتب إعلام الأمم المتحدة. وقالت منظمة الهجرة الدولية إن 30 مليون سوداني – ثلثا سكان البلاد – يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، فيما حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من انهيار الزراعة، مصدر الدخل والغذاء لـ80% من السودانيين.
من الخرطوم إلى الجزيرة: نمط متكرر من العنف والتطهير تشير تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة محامو الطوارئ السودانية إلى استخدام قوات الجيش أساليب تتجاوز مجرد القصف العسكري. ففي حادثة وثقتها المنظمة في فبراير 2024، ألقت الطائرات الحربية براميل متفجرة على أحياء سكنية وأسواق في شمال كردفان، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين، في مناطق لا يوجد فيها أي نشاط عسكري. وفي حادثة أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش في أغسطس 2024، ظهر جنود البرهان وهم يعصبون أعين ثلاثة أطفال شبه عراة، ويدفعونهم إلى حفرة قبل إطلاق النار عليهم مرارًا، فيما قالت المنظمة إن هذا 'نمط موثق من جرائم الحرب المتكررة'.
التحالف مع الإسلاميين: هشاشة السلطة وتفكك داخل المؤسسة العسكرية يرى كاميرون هدسون، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن تحالف البرهان مع الإسلاميين 'تحالف هش ومصلحي'، وأضاف في تصريح له على منصة X: 'التحالف مدفوع بالطموح وليس القناعة، ويُسرّع من تفتيت السودان بدلًا من حفظ وحدته'. وأشار إلى أن هذا التحالف الفضفاض بين ميليشيات إسلامية، ومجموعات قبلية، وفصائل انتهازية، يفتقر لأي مشروع حقيقي، وبدأ يتآكل من الداخل، وسط فقدان البرهان وسلطات بورتسودان للشرعية السياسية، كما ورد في تقرير Global Policy Review.
التنكر للسلام: البرهان يرفض الحوار... ويدفع الشعب للجحيم رغم مبادرات إقليمية ودولية عديدة، يواصل البرهان رفض الجلوس إلى طاولة الحوار. ففي يناير 2024، رفض حضور قمة 'إيغاد' في أوغندا، التي دُعي إليها للقاء محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفي المقابل، قبل حميدتي الدعوة وكتب: 'نحن ملتزمون بحل سلمي ينهي الحرب في السودان، ويؤسس لسلام دائم وعدالة حقيقية، ودولة ديمقراطية لكل السودانيين'. هذا الانقسام في المواقف يُظهر بوضوح أن أحد الطرفين يراهن على البندقية فقط، بينما الآخر يطرح حلاً سياسيًا قابلًا للنقاش، وهو ما يؤكده مراقبون يرون أن البرهان يختار الاستمرار في الحرب لتثبيت حكمه بالقوة، لا لحماية السودان.
الإرهاب كأداة للحكم: اتهامات تتجاوز الداخل في مشهد لا يقل قتامة، تشير تصريحات الناشطة والمستشارة الدبلوماسية هبة الوسيلة إلى أبعاد خطيرة للحرب، قائلة: 'ما يحدث في السودان ليس نزاعًا أهليًا، بل خطة لإسقاط الدولة لصالح مشروع توسع جيوسياسي عبر البحر الأحمر، تُنفذ بتوجيه مباشر من الإسلاميين المتطرفين.'، وأضافت أن البرهان وحلفاءه 'يعدّون لعمليات إرهابية بالتنسيق مع إيران'، مشيرة إلى انخراط عناصر إخوانية سابقة في قيادة المعارك، وتجنيد الأطفال وتنفيذ غارات عشوائية ممنهجة.
'طعام للتماسيح'... حين يتحول الخطاب إلى قتل طائفي في يونيو 2024، تحدثت تقارير عن قيام جنود الجيش بقتل ثلاثة أسرى من قوات الدعم السريع، والتمثيل بجثثهم، وإلقائها في قناة مائية، بينما نشر أحد التابعين للجيش على وسائل التواصل تعليقًا قال فيه إن مقاتلي الدعم السريع 'سيصبحون طعامًا للتماسيح'. وتوالت الفظائع: في مارس 2025، قصف الجيش سوقًا في مدينة طُرة بدارفور، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، بحسب الأمم المتحدة. وتزامن هذا مع موجة قتل جماعي في ود مدني بعد دخول قوات الجيش ومليشيا البراء بن مالك الإسلامية المتطرفة ، حيث وثق منتدى الدفاع الإفريقي ما لا يقل عن 200 حالة قتل، شملت مدنيين وأسرى حرب.
هل لا يزال للعدالة مكان؟ ما يحدث في السودان اليوم يتجاوز سياق الحرب، ليتحول إلى عملية إبادة بطيئة مدفوعة بسياسات ممنهجة للقمع، والتجويع، والعنف العشوائي، ورفض أي مشروع مدني أو ديمقراطي. ومع إصرار البرهان على الحسم العسكري، وتواطؤ الإسلاميين في إعادة إنتاج سلطتهم، فإن الشعب السوداني يُسحق بين فكي كماشة: آلة الحرب، وصمت العالم. ومع كل مجزرة جديدة، وكل طفل يُدفن جائعًا، وكل مدني يُعدَم بدم بارد، يتأكد أن ما يحدث في السودان ليس فقط أزمة سياسية... بل جريمة دولية بحق الإنسانية.
عمان جو-في ركن مهمل من العناوين الدولية، تستمر حرب السودان في سحق حياة ملايين المدنيين بلا هوادة. القتل، والتجويع، والتطهير العرقي، والإعدامات الميدانية، كلّها تُرتكب على مرأى من العالم، الذي يبدو منشغلاً بحروبه الأكبر، ويترك السودان يغرق في الجحيم، ومع كل أسبوع يمر، تتكشف فظائع ممنهجة تجلت بوضوح في الأشهر الخيرة خصوصا بعد سيطرة الجيش والجماعات الإسلامية الراديكالية على الخرطوم وأم درمان مؤخرا ، فيما تتراجع فرص الحل السلمي، وتزداد المؤشرات على تفكك داخلي متسارع داخل تحالف السلطة العسكرية.
مشاهد مروعة: الدم في الخنادق وأجساد بلا رؤوس في أحد المقاطع التي هزت منصات التواصل، جُرّ رجل مصاب بكسر في ساقه إلى خندق في أطراف أم درمان، وأُعدم ميدانيًا برصاص أحد جنود الجيش بينما كان زملاؤه يصورون ويشهدون الإعدام وسط الضحكات، قبل أن يُذبح أمام الكاميرا وسط هتافات الجنود، وثّقت مجلة منتدى الدفاع الإفريقي الحادث، مؤكدة أنه جزء من سلسلة إعدامات ميدانية ارتكبها جنود الجيش وميليشيات إسلامية حليفة، استهدفت بشكل ممنهج أفرادًا من دارفور والنوبة وسكان جنوب السودان في الخرطوم. وبحسب المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان، فإن مثل هذه الجرائم 'ازدادت مؤخرًا مع انتقال السيطرة على مساحات جديدة من الأراضي'، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات ليست استثناء بل سياسة حرب متكررة.
التجويع كسلاح: خنق الحياة تحت ذريعة القانون في واحدة من أكثر مظاهر الحرب قسوة، أصدر والي الخرطوم المعيّن من البرهان قرارًا بإغلاق المطابخ الشعبية، التكايا، وآبار المياه، بدعوى أنها تعمل خارج الأطر الرسمية. علّق تجمع المهندسين السودانيين على القرار بحدة، قائلًا: 'على الرغم من أهمية هذه التكايا والآبار لآلاف الأسر، فإن السلطة المحلية تتذرع بأن هذه الكيانات مجهولة، وتنفذ أعمالاً دون تنسيق، متهمة إياها ضمناً بالتكسب باسم المواطن'. هذا التضييق جاء متوازيًا مع تحذير عاجل من برنامج الأغذية العالمي من قرب انهيار عمليات الإغاثة بسبب نقص التمويل، ما يهدد حياة ملايين، في وقت تُسجل فيه العاصمة الخرطوم عشرات الوفيات بسبب الجوع، غالبيتهم من الأطفال، بحسب مكتب إعلام الأمم المتحدة. وقالت منظمة الهجرة الدولية إن 30 مليون سوداني – ثلثا سكان البلاد – يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، فيما حذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) من انهيار الزراعة، مصدر الدخل والغذاء لـ80% من السودانيين.
من الخرطوم إلى الجزيرة: نمط متكرر من العنف والتطهير تشير تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة محامو الطوارئ السودانية إلى استخدام قوات الجيش أساليب تتجاوز مجرد القصف العسكري. ففي حادثة وثقتها المنظمة في فبراير 2024، ألقت الطائرات الحربية براميل متفجرة على أحياء سكنية وأسواق في شمال كردفان، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين، في مناطق لا يوجد فيها أي نشاط عسكري. وفي حادثة أخرى وثقتها هيومن رايتس ووتش في أغسطس 2024، ظهر جنود البرهان وهم يعصبون أعين ثلاثة أطفال شبه عراة، ويدفعونهم إلى حفرة قبل إطلاق النار عليهم مرارًا، فيما قالت المنظمة إن هذا 'نمط موثق من جرائم الحرب المتكررة'.
التحالف مع الإسلاميين: هشاشة السلطة وتفكك داخل المؤسسة العسكرية يرى كاميرون هدسون، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن تحالف البرهان مع الإسلاميين 'تحالف هش ومصلحي'، وأضاف في تصريح له على منصة X: 'التحالف مدفوع بالطموح وليس القناعة، ويُسرّع من تفتيت السودان بدلًا من حفظ وحدته'. وأشار إلى أن هذا التحالف الفضفاض بين ميليشيات إسلامية، ومجموعات قبلية، وفصائل انتهازية، يفتقر لأي مشروع حقيقي، وبدأ يتآكل من الداخل، وسط فقدان البرهان وسلطات بورتسودان للشرعية السياسية، كما ورد في تقرير Global Policy Review.
التنكر للسلام: البرهان يرفض الحوار... ويدفع الشعب للجحيم رغم مبادرات إقليمية ودولية عديدة، يواصل البرهان رفض الجلوس إلى طاولة الحوار. ففي يناير 2024، رفض حضور قمة 'إيغاد' في أوغندا، التي دُعي إليها للقاء محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وفي المقابل، قبل حميدتي الدعوة وكتب: 'نحن ملتزمون بحل سلمي ينهي الحرب في السودان، ويؤسس لسلام دائم وعدالة حقيقية، ودولة ديمقراطية لكل السودانيين'. هذا الانقسام في المواقف يُظهر بوضوح أن أحد الطرفين يراهن على البندقية فقط، بينما الآخر يطرح حلاً سياسيًا قابلًا للنقاش، وهو ما يؤكده مراقبون يرون أن البرهان يختار الاستمرار في الحرب لتثبيت حكمه بالقوة، لا لحماية السودان.
الإرهاب كأداة للحكم: اتهامات تتجاوز الداخل في مشهد لا يقل قتامة، تشير تصريحات الناشطة والمستشارة الدبلوماسية هبة الوسيلة إلى أبعاد خطيرة للحرب، قائلة: 'ما يحدث في السودان ليس نزاعًا أهليًا، بل خطة لإسقاط الدولة لصالح مشروع توسع جيوسياسي عبر البحر الأحمر، تُنفذ بتوجيه مباشر من الإسلاميين المتطرفين.'، وأضافت أن البرهان وحلفاءه 'يعدّون لعمليات إرهابية بالتنسيق مع إيران'، مشيرة إلى انخراط عناصر إخوانية سابقة في قيادة المعارك، وتجنيد الأطفال وتنفيذ غارات عشوائية ممنهجة.
'طعام للتماسيح'... حين يتحول الخطاب إلى قتل طائفي في يونيو 2024، تحدثت تقارير عن قيام جنود الجيش بقتل ثلاثة أسرى من قوات الدعم السريع، والتمثيل بجثثهم، وإلقائها في قناة مائية، بينما نشر أحد التابعين للجيش على وسائل التواصل تعليقًا قال فيه إن مقاتلي الدعم السريع 'سيصبحون طعامًا للتماسيح'. وتوالت الفظائع: في مارس 2025، قصف الجيش سوقًا في مدينة طُرة بدارفور، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، بحسب الأمم المتحدة. وتزامن هذا مع موجة قتل جماعي في ود مدني بعد دخول قوات الجيش ومليشيا البراء بن مالك الإسلامية المتطرفة ، حيث وثق منتدى الدفاع الإفريقي ما لا يقل عن 200 حالة قتل، شملت مدنيين وأسرى حرب.
هل لا يزال للعدالة مكان؟ ما يحدث في السودان اليوم يتجاوز سياق الحرب، ليتحول إلى عملية إبادة بطيئة مدفوعة بسياسات ممنهجة للقمع، والتجويع، والعنف العشوائي، ورفض أي مشروع مدني أو ديمقراطي. ومع إصرار البرهان على الحسم العسكري، وتواطؤ الإسلاميين في إعادة إنتاج سلطتهم، فإن الشعب السوداني يُسحق بين فكي كماشة: آلة الحرب، وصمت العالم. ومع كل مجزرة جديدة، وكل طفل يُدفن جائعًا، وكل مدني يُعدَم بدم بارد، يتأكد أن ما يحدث في السودان ليس فقط أزمة سياسية... بل جريمة دولية بحق الإنسانية.
التعليقات