اليهودية تحمل طابعًا مزدوجًا: • دين قائم على التوراة، التلمود، والشرائع اليهودية (الهلاخاه). • قومية/شعب تُعرف على أساس العِرق والانتماء التاريخي، لا العقيدة فقط.
وهذا ما يميزها عن المسيحية والإسلام، حيث لا يُعتبر المرء “مسيحيًا” أو “مسلمًا” إلا باعتناق الدين، بينما يمكن أن يُعد اليهودي يهوديًا حتى لو كان ملحدًا، طالما وُلد لأم يهودية (وفق الشريعة الحاخامية) أو انتمى إلى “شعب إسرائيل” (وفق المدرسة الصهيونية).
2. في الدولة الإسرائيلية: • إسرائيل تعرف نفسها في “قانون القومية” (2018) بأنها “الدولة القومية للشعب اليهودي”، مما يؤكد الطابع القومي لليهودية. • هذا الطابع يُسقط الاعتبار الديني أحيانًا لصالح الانتماء الإثني، ويشكل أساسًا للتمييز القانوني ضد غير اليهود داخل إسرائيل، مثل العرب الفلسطينيين والمسيحيين وغيرهم.
ثانيًا: هل تعاقب الأديان واختلاط الأمم أدى إلى خلط الأنساب اليهودية؟
1. من زمن موسى حتى اليوم: • عندما نزلت التوراة على موسى عليه السلام، كانت بني إسرائيل قبيلة لها نسب محدد من أبناء يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر سبطًا. • لكن بعد السبي البابلي، والشتات الروماني، والانتقال إلى أوروبا وشمال إفريقيا والجزيرة العربية، اختلطت هذه المكونات العرقية بالبيئات المحلية، سواء عن طريق: • التزاوج مع غير اليهود (أحيانًا سريًا أو قسريًا). • أو التحول الديني، حيث دخل كثيرون في اليهودية، خصوصًا في حالة يهود الخزر في العصور الوسطى (وهم أصل معظم اليهود الأشكناز وفق بعض الدراسات).
2. • من المنظور البيولوجي، لم يبقَ “نقاء عرقي” يربط جميع اليهود بالنسب الإبراهيمي. • أما من المنظور الديني والصهيوني، فاليهود يُعتبرون “شعبًا واحدًا” رغم اختلاف الأعراق والثقافات واللغات بينهم (سفاردي، مزراحي، أشكنازي، فلاشا…).
3. المفارقة الكبرى:
رغم اعتراف المؤرخين وعلماء الجينات بتنوع أصول اليهود المعاصرين، لا تزال الدولة الصهيونية تستند إلى مفهوم “وحدة العرق اليهودي” كمرجعية لحق العودة والجنسية، حتى لو خالف ذلك الحقيقة الأنثروبولوجية.
ثالثًا: التحدي الفلسفي والسياسي لهذا التناقض • إذا كانت اليهودية قومية دينية، فمن الصعب أن تطالب بالحقوق القومية لشعب مشتت، دون تعريف واضح للهوية العرقية أو الدينية. • وإذا كانت دينًا، فلا يصح أن تتحول إلى أساس لإقامة كيان سياسي قومي – لأن ذلك يعارض مبدأ المواطنة المدنية الحديثة. • كما أن الخلط في الأنساب والأعراق يضعف الحجة التوراتية أو “الوراثية” التي تبني عليها إسرائيل شرعية الوجود على أرض فلسطين.
اذن فاليهودية اليوم ليست دينًا فقط، ولا قومية فقط، بل مزيج مركّب من الدين والهوية التاريخية والادعاء العرقي. أما الأنساب القديمة، فقد ذابت إلى حد كبير في التاريخ، بفعل الحروب، التهجير، والاختلاط الحضاري. وما بقي اليوم هو هوية سياسية ودينية مصنوعة أكثر من كونها موصولة جينيًا بموسى عليه السلام أو الأسباط الاثني عشر
عمان جو- بقلم: المهندس سعيد بهاء المصري
هل اليهودية قومية أم دينية في عصرنا الحاضر؟
1. في الفكر اليهودي المعاصر:
اليهودية تحمل طابعًا مزدوجًا: • دين قائم على التوراة، التلمود، والشرائع اليهودية (الهلاخاه). • قومية/شعب تُعرف على أساس العِرق والانتماء التاريخي، لا العقيدة فقط.
وهذا ما يميزها عن المسيحية والإسلام، حيث لا يُعتبر المرء “مسيحيًا” أو “مسلمًا” إلا باعتناق الدين، بينما يمكن أن يُعد اليهودي يهوديًا حتى لو كان ملحدًا، طالما وُلد لأم يهودية (وفق الشريعة الحاخامية) أو انتمى إلى “شعب إسرائيل” (وفق المدرسة الصهيونية).
2. في الدولة الإسرائيلية: • إسرائيل تعرف نفسها في “قانون القومية” (2018) بأنها “الدولة القومية للشعب اليهودي”، مما يؤكد الطابع القومي لليهودية. • هذا الطابع يُسقط الاعتبار الديني أحيانًا لصالح الانتماء الإثني، ويشكل أساسًا للتمييز القانوني ضد غير اليهود داخل إسرائيل، مثل العرب الفلسطينيين والمسيحيين وغيرهم.
ثانيًا: هل تعاقب الأديان واختلاط الأمم أدى إلى خلط الأنساب اليهودية؟
1. من زمن موسى حتى اليوم: • عندما نزلت التوراة على موسى عليه السلام، كانت بني إسرائيل قبيلة لها نسب محدد من أبناء يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر سبطًا. • لكن بعد السبي البابلي، والشتات الروماني، والانتقال إلى أوروبا وشمال إفريقيا والجزيرة العربية، اختلطت هذه المكونات العرقية بالبيئات المحلية، سواء عن طريق: • التزاوج مع غير اليهود (أحيانًا سريًا أو قسريًا). • أو التحول الديني، حيث دخل كثيرون في اليهودية، خصوصًا في حالة يهود الخزر في العصور الوسطى (وهم أصل معظم اليهود الأشكناز وفق بعض الدراسات).
2. • من المنظور البيولوجي، لم يبقَ “نقاء عرقي” يربط جميع اليهود بالنسب الإبراهيمي. • أما من المنظور الديني والصهيوني، فاليهود يُعتبرون “شعبًا واحدًا” رغم اختلاف الأعراق والثقافات واللغات بينهم (سفاردي، مزراحي، أشكنازي، فلاشا…).
3. المفارقة الكبرى:
رغم اعتراف المؤرخين وعلماء الجينات بتنوع أصول اليهود المعاصرين، لا تزال الدولة الصهيونية تستند إلى مفهوم “وحدة العرق اليهودي” كمرجعية لحق العودة والجنسية، حتى لو خالف ذلك الحقيقة الأنثروبولوجية.
ثالثًا: التحدي الفلسفي والسياسي لهذا التناقض • إذا كانت اليهودية قومية دينية، فمن الصعب أن تطالب بالحقوق القومية لشعب مشتت، دون تعريف واضح للهوية العرقية أو الدينية. • وإذا كانت دينًا، فلا يصح أن تتحول إلى أساس لإقامة كيان سياسي قومي – لأن ذلك يعارض مبدأ المواطنة المدنية الحديثة. • كما أن الخلط في الأنساب والأعراق يضعف الحجة التوراتية أو “الوراثية” التي تبني عليها إسرائيل شرعية الوجود على أرض فلسطين.
اذن فاليهودية اليوم ليست دينًا فقط، ولا قومية فقط، بل مزيج مركّب من الدين والهوية التاريخية والادعاء العرقي. أما الأنساب القديمة، فقد ذابت إلى حد كبير في التاريخ، بفعل الحروب، التهجير، والاختلاط الحضاري. وما بقي اليوم هو هوية سياسية ودينية مصنوعة أكثر من كونها موصولة جينيًا بموسى عليه السلام أو الأسباط الاثني عشر
عمان جو- بقلم: المهندس سعيد بهاء المصري
هل اليهودية قومية أم دينية في عصرنا الحاضر؟
1. في الفكر اليهودي المعاصر:
اليهودية تحمل طابعًا مزدوجًا: • دين قائم على التوراة، التلمود، والشرائع اليهودية (الهلاخاه). • قومية/شعب تُعرف على أساس العِرق والانتماء التاريخي، لا العقيدة فقط.
وهذا ما يميزها عن المسيحية والإسلام، حيث لا يُعتبر المرء “مسيحيًا” أو “مسلمًا” إلا باعتناق الدين، بينما يمكن أن يُعد اليهودي يهوديًا حتى لو كان ملحدًا، طالما وُلد لأم يهودية (وفق الشريعة الحاخامية) أو انتمى إلى “شعب إسرائيل” (وفق المدرسة الصهيونية).
2. في الدولة الإسرائيلية: • إسرائيل تعرف نفسها في “قانون القومية” (2018) بأنها “الدولة القومية للشعب اليهودي”، مما يؤكد الطابع القومي لليهودية. • هذا الطابع يُسقط الاعتبار الديني أحيانًا لصالح الانتماء الإثني، ويشكل أساسًا للتمييز القانوني ضد غير اليهود داخل إسرائيل، مثل العرب الفلسطينيين والمسيحيين وغيرهم.
ثانيًا: هل تعاقب الأديان واختلاط الأمم أدى إلى خلط الأنساب اليهودية؟
1. من زمن موسى حتى اليوم: • عندما نزلت التوراة على موسى عليه السلام، كانت بني إسرائيل قبيلة لها نسب محدد من أبناء يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر سبطًا. • لكن بعد السبي البابلي، والشتات الروماني، والانتقال إلى أوروبا وشمال إفريقيا والجزيرة العربية، اختلطت هذه المكونات العرقية بالبيئات المحلية، سواء عن طريق: • التزاوج مع غير اليهود (أحيانًا سريًا أو قسريًا). • أو التحول الديني، حيث دخل كثيرون في اليهودية، خصوصًا في حالة يهود الخزر في العصور الوسطى (وهم أصل معظم اليهود الأشكناز وفق بعض الدراسات).
2. • من المنظور البيولوجي، لم يبقَ “نقاء عرقي” يربط جميع اليهود بالنسب الإبراهيمي. • أما من المنظور الديني والصهيوني، فاليهود يُعتبرون “شعبًا واحدًا” رغم اختلاف الأعراق والثقافات واللغات بينهم (سفاردي، مزراحي، أشكنازي، فلاشا…).
3. المفارقة الكبرى:
رغم اعتراف المؤرخين وعلماء الجينات بتنوع أصول اليهود المعاصرين، لا تزال الدولة الصهيونية تستند إلى مفهوم “وحدة العرق اليهودي” كمرجعية لحق العودة والجنسية، حتى لو خالف ذلك الحقيقة الأنثروبولوجية.
ثالثًا: التحدي الفلسفي والسياسي لهذا التناقض • إذا كانت اليهودية قومية دينية، فمن الصعب أن تطالب بالحقوق القومية لشعب مشتت، دون تعريف واضح للهوية العرقية أو الدينية. • وإذا كانت دينًا، فلا يصح أن تتحول إلى أساس لإقامة كيان سياسي قومي – لأن ذلك يعارض مبدأ المواطنة المدنية الحديثة. • كما أن الخلط في الأنساب والأعراق يضعف الحجة التوراتية أو “الوراثية” التي تبني عليها إسرائيل شرعية الوجود على أرض فلسطين.
اذن فاليهودية اليوم ليست دينًا فقط، ولا قومية فقط، بل مزيج مركّب من الدين والهوية التاريخية والادعاء العرقي. أما الأنساب القديمة، فقد ذابت إلى حد كبير في التاريخ، بفعل الحروب، التهجير، والاختلاط الحضاري. وما بقي اليوم هو هوية سياسية ودينية مصنوعة أكثر من كونها موصولة جينيًا بموسى عليه السلام أو الأسباط الاثني عشر
التعليقات
اليهودية بين الدين والقومية: جدل الهوية والأنساب في العصر الحديث
التعليقات