عمان جو - في زمن الحرب، لا يتشابه الألم عند الجميع؛ هناك من يستطيع الهرب، ومن يملك جسدًا يساعده على النجاة سريعًا، وهناك من تُثقله الإعاقة فتجعل كل خطوة معركة إضافية مع الخوف والوقت.
ومع تصاعد آلة الحرب في غزة، تكشّفت معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة خارج دائرة الضوء؛ معاناة صامتة تتضاعف بين القصف والنزوح وفقدان الأمان. ففي الوقت الذي كانت فيه الحياة تنهار للجميع، وجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم أمام اختبارات قاسية للبقاء، محرومين من الأدوات التي يعتمدون عليها، ومن الخدمات التي كانت تمنحهم الحد الأدنى من الاستقرار. وبين الركام ومخيمات النزوح، لم تكن المعاناة مجرد نقص في الغذاء أو المأوى، بل كانت صراعًا يوميًا للحفاظ على الكرامة وسط عالم فقد توازنه.
تتحدث سهام أبو عويضة وهي تنظر إلى صف الخيام المتلاصقة وكأنها تتداعى فوق بعضها من ثقل المطر.
وتقول لـ»القدس العربي» إن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا من أكثر الفئات التي عصفت بها الحرب، وكأن ما كان يثقل حياتهم قبلها تضاعف عشر مرات بعدها. تصف كيف كانوا يعانون مثل كل أفراد المجتمع الغزي، لكن مع مجهود إضافي يفرضه عليهم الجسد نفسه، والحاجة الدائمة إلى دعم لا يُتاح في زمن الفوضى. وتشير سهام إلى احتياجاتهم الاستثنائية التي أصبحت فجأة رفاهية بعيدة المنال؛ فالمواءمات التي كانت تسهّل تحركهم اختفت مع أول صاروخ، وتحولت الكراسي المتحركة إلى قطع معدنية مهشمة، والعكازات ضاعت بين الركام، وحتى الأدوات البسيطة التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية تبعثرت في رحلة النجاة.
وتستعيد لحظة النزوح القسري، وتقول إن الطريق كان طويلًا ومخيفًا، والوجوه ممتلئة بالذهول، وكثيرون من ذوي الإعاقة لم يكن بمقدورهم اللحاق بالجميع، بعضهم حُمل على الأكتاف، وبعضهم سُحب على بطانيات فوق الأرض الوعرة، وآخرون لم يصلوا أصلًا.
وتضيف بصوت خافت أن القتل كان يلاحق كل خطوة، وأن كثيرين فقدوا حياتهم لأنهم لم يستطيعوا الهرب في الوقت المناسب.
وعندما وصلوا إلى مخيمات النزوح، لبست المأساة شكلًا جديدًا؛ فـ»الماء الصالح للشرب قليل، والطعام لا يكفي، والملبس والغطاء بالكاد يحمون من البرد. فالخيام خفيفة لا تقف أمام الريح، ومع دخول الشتاء انكمشت الحياة كلها داخل بقعة طين، الخيام تغرق، والأرض تصبح زلقة، وكل خطوة لشخص من ذوي الإعاقة تتحول إلى مغامرة قد تنتهي بالسقوط».
معاناة خاصة للنساء
وتتوقف سهام عند وجع النساء ذوات الإعاقة تحديدًا؛ فالحمامات غير موائمة، لا خصوصية ولا تجهيزات، والاحتياجات النسائية الأساسية شبه غائبة. تقول إن هذا الجزء من المعاناة يظل مخفيًا، لكنه الأكثر قسوة لأنه يمس كرامة المرأة مباشرة.
وتختم وهي تشد الغطاء فوق قدميها الباردتين: نحن نحاول البقاء فقط، فالحرب أخذت منا الكثير، لكن ما زلنا نبحث عن مساحة صغيرة تحفظ إنسانيتنا رغم كل هذا الألم.
يتحدث عبد الكريم القرناوي وهو يستعيد تفاصيل الحياة قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، فيقول لـ»القدس العربي» إن حياة الأشخاص ذوي الإعاقة لم تكن سهلة، لكنها كانت ممكنة. ويصف أيامًا مليئة بالتحديات اليومية، حيث كان الوصول إلى التعليم والعلاج والمشاركة في المجتمع يتطلب جهدًا مضاعفًا، فكل خطوة كانت محسوبة، وكل إنجاز مهما بدا صغيرًا، كان نتيجة كفاح طويل.
ويشير إلى أن المؤسسات العاملة في هذا القطاع كانت تحاول التخفيف من هذه الصعوبات، وأن هناك تقدمًا بدأ يظهر، وفرصًا فتحت أبوابها ببطء أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، ليشعروا أن لهم مكانًا في المجتمع رغم القيود والضغوط.
ثم جاءت الحرب فجأة، كما يقول عبد الكريم، لتنهي كل ما تحقق. يصف كيف دُمّرت أغلب المؤسسات التي كانت تشكل سندًا حقيقيًا لهم، وكيف تحولت الحياة إلى عبء ثقيل لا يُحتمل. ومع النزوح، تضاعفت المعاناة، خصوصًا في المخيمات، حيث أصبح تأمين أبسط ضروريات الحياة مهمة شبه مستحيلة. يقول إن الأشخاص ذوي الإعاقة وجدوا أنفسهم في مؤخرة المشهد، غير قادرين على مزاحمة الآخرين للحصول على الطعام، أو الماء أو الملابس أو الأدوية التي لا يمكنهم الاستغناء عنها، وسط واقع يفرض صراعًا يوميًا من أجل البقاء. ويستعرض عبد الكريم المشكلات التي واجهوها واحدة تلو الأخرى: غياب المخيمات والمساكن المواءمة التي تراعي احتياجاتهم، نقص حاد في الغذاء والشراب والملبس، وقلة الأدوية والعلاجات الخاصة بهم، وصعوبة توفير الأدوات المساعدة أو صيانتها، وانعدام وسائل النقل وصعوبة الوصول إلى أي خدمة، إضافة إلى شح مقومات النظافة الشخصية. ويقول إن هذه التفاصيل الصغيرة حولت الحياة اليومية إلى معركة، حيث تصبح كل حركة عبئًا، وكل يوم أثقل من سابقه.
وعن تجربته الشخصية، يتحدث عبد الكريم بنبرة يختلط فيها الذهول بالألم. يقول إنه لم يتخيل أن يعيش هذه الظروف القاسية، خاصة خلال فترة النزوح، حيث فُقد أي شعور بالأمان، وأصبحت فكرة النجاة هي الشغل الشاغل. لم يتمكن من توفير أدويته، فاشتدت الآلام، وكرسيه المتحرك يحتاج إلى إصلاح، لكن لا قطع غيار، والكرسي الكهربائي بلا بطاريات، ما جعله عاجزًا عن الحركة أو الوصول إلى أي مكان. حتى المؤسسة التي كان يعمل فيها لم تصمد، إذ دُمّرت بالكامل، ومعها فُقد مصدر رزقه واستقراره.
ويختم عبد الكريم حديثه قائلًا إن آثار الإبادة ما زالت حاضرة في كل تفاصيل حياتهم، وإنهم رغم كل الخسارة يتمسكون بالأمل، على أمل أن تتحسن الظروف يومًا ما، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية للعيش بكرامة وأمان من جديد.
حياة مهددة
قال أمجد الشوا، رئيس «شبكة المنظمات الأهلية» في قطاع غزة، لـ»القدس العربي»: إن «الأشخاص ذوي الإعاقة واجهوا خلال الحرب مستويات غير مسبوقة من المعاناة، حيث لم تقتصر التهديدات على القصف المباشر، بل شملت القتل والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية».
وأوضح أن التقديرات تشير إلى أربعين ألف شخص أصبحوا أشخاصًا ذوي إعاقة في قطاع غزة، من بينهم ما يقارب ستة آلاف شخص تعرضوا لبتر أطراف، في ظل واقع صحي متدهور وشح كبير في خدمات العلاج والتأهيل.
وأشار الشوا إلى أن «فقدان الأدوات المساعدة شكل تحديًا مركزيًا في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ دُمّرت أو فُقدت الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية وأجهزة السمع والبصر خلال القصف أو النزوح المتكرر، ما أفقد الكثيرين قدرتهم على الحركة والاستقلالية. كما أكد أن مخيمات النزوح ومراكز الإيواء لم تراعِ الحد الأدنى من متطلبات المواءمة، حيث غابت الممرات المهيأة ودورات المياه المناسبة، إلى جانب الاكتظاظ ونقص المياه النظيفة والطعام الملائم».
وأضاف أن «الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا يعانون أوضاعًا صعبة حتى قبل الحرب، إلا أن تدمير البنية التحتية والطرق والمرافق الصحية والتعليمية ضاعف من معاناتهم وحدّ من وصولهم إلى الخدمات الأساسية».
وقال إن النساء ذوات الإعاقة يواجهن تحديات مضاعفة، خصوصا مع غياب المستلزمات الصحية، وانعدام الخصوصية، وصعوبة استخدام الحمامات غير المهيأة داخل مراكز النزوح.
وأكد الشوا ضرورة توفير استجابة إنسانية أكثر تخصصًا وشمولًا، تتضمن مواءمة المساعدات الغذائية، وتوفير الأدوية والفيتامينات والأدوات المساعدة، ودمج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أساسي ضمن برامج ومشاريع المؤسسات الدولية، بما يحفظ كرامتهم وحقهم في الحياة الآمنة.
ويبقى الأشخاص ذوو الإعاقة في قلب الأزمة دون حماية كافية؛ إن قصتهم ليست هامشية، بل جزء أساسي من واقع إنساني يحتاج إلى رؤية عادلة واستجابة تنصف حقهم في الحياة بــكرامة.
عمان جو - في زمن الحرب، لا يتشابه الألم عند الجميع؛ هناك من يستطيع الهرب، ومن يملك جسدًا يساعده على النجاة سريعًا، وهناك من تُثقله الإعاقة فتجعل كل خطوة معركة إضافية مع الخوف والوقت.
ومع تصاعد آلة الحرب في غزة، تكشّفت معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة خارج دائرة الضوء؛ معاناة صامتة تتضاعف بين القصف والنزوح وفقدان الأمان. ففي الوقت الذي كانت فيه الحياة تنهار للجميع، وجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم أمام اختبارات قاسية للبقاء، محرومين من الأدوات التي يعتمدون عليها، ومن الخدمات التي كانت تمنحهم الحد الأدنى من الاستقرار. وبين الركام ومخيمات النزوح، لم تكن المعاناة مجرد نقص في الغذاء أو المأوى، بل كانت صراعًا يوميًا للحفاظ على الكرامة وسط عالم فقد توازنه.
تتحدث سهام أبو عويضة وهي تنظر إلى صف الخيام المتلاصقة وكأنها تتداعى فوق بعضها من ثقل المطر.
وتقول لـ»القدس العربي» إن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا من أكثر الفئات التي عصفت بها الحرب، وكأن ما كان يثقل حياتهم قبلها تضاعف عشر مرات بعدها. تصف كيف كانوا يعانون مثل كل أفراد المجتمع الغزي، لكن مع مجهود إضافي يفرضه عليهم الجسد نفسه، والحاجة الدائمة إلى دعم لا يُتاح في زمن الفوضى. وتشير سهام إلى احتياجاتهم الاستثنائية التي أصبحت فجأة رفاهية بعيدة المنال؛ فالمواءمات التي كانت تسهّل تحركهم اختفت مع أول صاروخ، وتحولت الكراسي المتحركة إلى قطع معدنية مهشمة، والعكازات ضاعت بين الركام، وحتى الأدوات البسيطة التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية تبعثرت في رحلة النجاة.
وتستعيد لحظة النزوح القسري، وتقول إن الطريق كان طويلًا ومخيفًا، والوجوه ممتلئة بالذهول، وكثيرون من ذوي الإعاقة لم يكن بمقدورهم اللحاق بالجميع، بعضهم حُمل على الأكتاف، وبعضهم سُحب على بطانيات فوق الأرض الوعرة، وآخرون لم يصلوا أصلًا.
وتضيف بصوت خافت أن القتل كان يلاحق كل خطوة، وأن كثيرين فقدوا حياتهم لأنهم لم يستطيعوا الهرب في الوقت المناسب.
وعندما وصلوا إلى مخيمات النزوح، لبست المأساة شكلًا جديدًا؛ فـ»الماء الصالح للشرب قليل، والطعام لا يكفي، والملبس والغطاء بالكاد يحمون من البرد. فالخيام خفيفة لا تقف أمام الريح، ومع دخول الشتاء انكمشت الحياة كلها داخل بقعة طين، الخيام تغرق، والأرض تصبح زلقة، وكل خطوة لشخص من ذوي الإعاقة تتحول إلى مغامرة قد تنتهي بالسقوط».
معاناة خاصة للنساء
وتتوقف سهام عند وجع النساء ذوات الإعاقة تحديدًا؛ فالحمامات غير موائمة، لا خصوصية ولا تجهيزات، والاحتياجات النسائية الأساسية شبه غائبة. تقول إن هذا الجزء من المعاناة يظل مخفيًا، لكنه الأكثر قسوة لأنه يمس كرامة المرأة مباشرة.
وتختم وهي تشد الغطاء فوق قدميها الباردتين: نحن نحاول البقاء فقط، فالحرب أخذت منا الكثير، لكن ما زلنا نبحث عن مساحة صغيرة تحفظ إنسانيتنا رغم كل هذا الألم.
يتحدث عبد الكريم القرناوي وهو يستعيد تفاصيل الحياة قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، فيقول لـ»القدس العربي» إن حياة الأشخاص ذوي الإعاقة لم تكن سهلة، لكنها كانت ممكنة. ويصف أيامًا مليئة بالتحديات اليومية، حيث كان الوصول إلى التعليم والعلاج والمشاركة في المجتمع يتطلب جهدًا مضاعفًا، فكل خطوة كانت محسوبة، وكل إنجاز مهما بدا صغيرًا، كان نتيجة كفاح طويل.
ويشير إلى أن المؤسسات العاملة في هذا القطاع كانت تحاول التخفيف من هذه الصعوبات، وأن هناك تقدمًا بدأ يظهر، وفرصًا فتحت أبوابها ببطء أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، ليشعروا أن لهم مكانًا في المجتمع رغم القيود والضغوط.
ثم جاءت الحرب فجأة، كما يقول عبد الكريم، لتنهي كل ما تحقق. يصف كيف دُمّرت أغلب المؤسسات التي كانت تشكل سندًا حقيقيًا لهم، وكيف تحولت الحياة إلى عبء ثقيل لا يُحتمل. ومع النزوح، تضاعفت المعاناة، خصوصًا في المخيمات، حيث أصبح تأمين أبسط ضروريات الحياة مهمة شبه مستحيلة. يقول إن الأشخاص ذوي الإعاقة وجدوا أنفسهم في مؤخرة المشهد، غير قادرين على مزاحمة الآخرين للحصول على الطعام، أو الماء أو الملابس أو الأدوية التي لا يمكنهم الاستغناء عنها، وسط واقع يفرض صراعًا يوميًا من أجل البقاء. ويستعرض عبد الكريم المشكلات التي واجهوها واحدة تلو الأخرى: غياب المخيمات والمساكن المواءمة التي تراعي احتياجاتهم، نقص حاد في الغذاء والشراب والملبس، وقلة الأدوية والعلاجات الخاصة بهم، وصعوبة توفير الأدوات المساعدة أو صيانتها، وانعدام وسائل النقل وصعوبة الوصول إلى أي خدمة، إضافة إلى شح مقومات النظافة الشخصية. ويقول إن هذه التفاصيل الصغيرة حولت الحياة اليومية إلى معركة، حيث تصبح كل حركة عبئًا، وكل يوم أثقل من سابقه.
وعن تجربته الشخصية، يتحدث عبد الكريم بنبرة يختلط فيها الذهول بالألم. يقول إنه لم يتخيل أن يعيش هذه الظروف القاسية، خاصة خلال فترة النزوح، حيث فُقد أي شعور بالأمان، وأصبحت فكرة النجاة هي الشغل الشاغل. لم يتمكن من توفير أدويته، فاشتدت الآلام، وكرسيه المتحرك يحتاج إلى إصلاح، لكن لا قطع غيار، والكرسي الكهربائي بلا بطاريات، ما جعله عاجزًا عن الحركة أو الوصول إلى أي مكان. حتى المؤسسة التي كان يعمل فيها لم تصمد، إذ دُمّرت بالكامل، ومعها فُقد مصدر رزقه واستقراره.
ويختم عبد الكريم حديثه قائلًا إن آثار الإبادة ما زالت حاضرة في كل تفاصيل حياتهم، وإنهم رغم كل الخسارة يتمسكون بالأمل، على أمل أن تتحسن الظروف يومًا ما، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية للعيش بكرامة وأمان من جديد.
حياة مهددة
قال أمجد الشوا، رئيس «شبكة المنظمات الأهلية» في قطاع غزة، لـ»القدس العربي»: إن «الأشخاص ذوي الإعاقة واجهوا خلال الحرب مستويات غير مسبوقة من المعاناة، حيث لم تقتصر التهديدات على القصف المباشر، بل شملت القتل والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية».
وأوضح أن التقديرات تشير إلى أربعين ألف شخص أصبحوا أشخاصًا ذوي إعاقة في قطاع غزة، من بينهم ما يقارب ستة آلاف شخص تعرضوا لبتر أطراف، في ظل واقع صحي متدهور وشح كبير في خدمات العلاج والتأهيل.
وأشار الشوا إلى أن «فقدان الأدوات المساعدة شكل تحديًا مركزيًا في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ دُمّرت أو فُقدت الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية وأجهزة السمع والبصر خلال القصف أو النزوح المتكرر، ما أفقد الكثيرين قدرتهم على الحركة والاستقلالية. كما أكد أن مخيمات النزوح ومراكز الإيواء لم تراعِ الحد الأدنى من متطلبات المواءمة، حيث غابت الممرات المهيأة ودورات المياه المناسبة، إلى جانب الاكتظاظ ونقص المياه النظيفة والطعام الملائم».
وأضاف أن «الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا يعانون أوضاعًا صعبة حتى قبل الحرب، إلا أن تدمير البنية التحتية والطرق والمرافق الصحية والتعليمية ضاعف من معاناتهم وحدّ من وصولهم إلى الخدمات الأساسية».
وقال إن النساء ذوات الإعاقة يواجهن تحديات مضاعفة، خصوصا مع غياب المستلزمات الصحية، وانعدام الخصوصية، وصعوبة استخدام الحمامات غير المهيأة داخل مراكز النزوح.
وأكد الشوا ضرورة توفير استجابة إنسانية أكثر تخصصًا وشمولًا، تتضمن مواءمة المساعدات الغذائية، وتوفير الأدوية والفيتامينات والأدوات المساعدة، ودمج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أساسي ضمن برامج ومشاريع المؤسسات الدولية، بما يحفظ كرامتهم وحقهم في الحياة الآمنة.
ويبقى الأشخاص ذوو الإعاقة في قلب الأزمة دون حماية كافية؛ إن قصتهم ليست هامشية، بل جزء أساسي من واقع إنساني يحتاج إلى رؤية عادلة واستجابة تنصف حقهم في الحياة بــكرامة.
عمان جو - في زمن الحرب، لا يتشابه الألم عند الجميع؛ هناك من يستطيع الهرب، ومن يملك جسدًا يساعده على النجاة سريعًا، وهناك من تُثقله الإعاقة فتجعل كل خطوة معركة إضافية مع الخوف والوقت.
ومع تصاعد آلة الحرب في غزة، تكشّفت معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة خارج دائرة الضوء؛ معاناة صامتة تتضاعف بين القصف والنزوح وفقدان الأمان. ففي الوقت الذي كانت فيه الحياة تنهار للجميع، وجد الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم أمام اختبارات قاسية للبقاء، محرومين من الأدوات التي يعتمدون عليها، ومن الخدمات التي كانت تمنحهم الحد الأدنى من الاستقرار. وبين الركام ومخيمات النزوح، لم تكن المعاناة مجرد نقص في الغذاء أو المأوى، بل كانت صراعًا يوميًا للحفاظ على الكرامة وسط عالم فقد توازنه.
تتحدث سهام أبو عويضة وهي تنظر إلى صف الخيام المتلاصقة وكأنها تتداعى فوق بعضها من ثقل المطر.
وتقول لـ»القدس العربي» إن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا من أكثر الفئات التي عصفت بها الحرب، وكأن ما كان يثقل حياتهم قبلها تضاعف عشر مرات بعدها. تصف كيف كانوا يعانون مثل كل أفراد المجتمع الغزي، لكن مع مجهود إضافي يفرضه عليهم الجسد نفسه، والحاجة الدائمة إلى دعم لا يُتاح في زمن الفوضى. وتشير سهام إلى احتياجاتهم الاستثنائية التي أصبحت فجأة رفاهية بعيدة المنال؛ فالمواءمات التي كانت تسهّل تحركهم اختفت مع أول صاروخ، وتحولت الكراسي المتحركة إلى قطع معدنية مهشمة، والعكازات ضاعت بين الركام، وحتى الأدوات البسيطة التي يعتمدون عليها في حياتهم اليومية تبعثرت في رحلة النجاة.
وتستعيد لحظة النزوح القسري، وتقول إن الطريق كان طويلًا ومخيفًا، والوجوه ممتلئة بالذهول، وكثيرون من ذوي الإعاقة لم يكن بمقدورهم اللحاق بالجميع، بعضهم حُمل على الأكتاف، وبعضهم سُحب على بطانيات فوق الأرض الوعرة، وآخرون لم يصلوا أصلًا.
وتضيف بصوت خافت أن القتل كان يلاحق كل خطوة، وأن كثيرين فقدوا حياتهم لأنهم لم يستطيعوا الهرب في الوقت المناسب.
وعندما وصلوا إلى مخيمات النزوح، لبست المأساة شكلًا جديدًا؛ فـ»الماء الصالح للشرب قليل، والطعام لا يكفي، والملبس والغطاء بالكاد يحمون من البرد. فالخيام خفيفة لا تقف أمام الريح، ومع دخول الشتاء انكمشت الحياة كلها داخل بقعة طين، الخيام تغرق، والأرض تصبح زلقة، وكل خطوة لشخص من ذوي الإعاقة تتحول إلى مغامرة قد تنتهي بالسقوط».
معاناة خاصة للنساء
وتتوقف سهام عند وجع النساء ذوات الإعاقة تحديدًا؛ فالحمامات غير موائمة، لا خصوصية ولا تجهيزات، والاحتياجات النسائية الأساسية شبه غائبة. تقول إن هذا الجزء من المعاناة يظل مخفيًا، لكنه الأكثر قسوة لأنه يمس كرامة المرأة مباشرة.
وتختم وهي تشد الغطاء فوق قدميها الباردتين: نحن نحاول البقاء فقط، فالحرب أخذت منا الكثير، لكن ما زلنا نبحث عن مساحة صغيرة تحفظ إنسانيتنا رغم كل هذا الألم.
يتحدث عبد الكريم القرناوي وهو يستعيد تفاصيل الحياة قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، فيقول لـ»القدس العربي» إن حياة الأشخاص ذوي الإعاقة لم تكن سهلة، لكنها كانت ممكنة. ويصف أيامًا مليئة بالتحديات اليومية، حيث كان الوصول إلى التعليم والعلاج والمشاركة في المجتمع يتطلب جهدًا مضاعفًا، فكل خطوة كانت محسوبة، وكل إنجاز مهما بدا صغيرًا، كان نتيجة كفاح طويل.
ويشير إلى أن المؤسسات العاملة في هذا القطاع كانت تحاول التخفيف من هذه الصعوبات، وأن هناك تقدمًا بدأ يظهر، وفرصًا فتحت أبوابها ببطء أمام الأشخاص ذوي الإعاقة، ليشعروا أن لهم مكانًا في المجتمع رغم القيود والضغوط.
ثم جاءت الحرب فجأة، كما يقول عبد الكريم، لتنهي كل ما تحقق. يصف كيف دُمّرت أغلب المؤسسات التي كانت تشكل سندًا حقيقيًا لهم، وكيف تحولت الحياة إلى عبء ثقيل لا يُحتمل. ومع النزوح، تضاعفت المعاناة، خصوصًا في المخيمات، حيث أصبح تأمين أبسط ضروريات الحياة مهمة شبه مستحيلة. يقول إن الأشخاص ذوي الإعاقة وجدوا أنفسهم في مؤخرة المشهد، غير قادرين على مزاحمة الآخرين للحصول على الطعام، أو الماء أو الملابس أو الأدوية التي لا يمكنهم الاستغناء عنها، وسط واقع يفرض صراعًا يوميًا من أجل البقاء. ويستعرض عبد الكريم المشكلات التي واجهوها واحدة تلو الأخرى: غياب المخيمات والمساكن المواءمة التي تراعي احتياجاتهم، نقص حاد في الغذاء والشراب والملبس، وقلة الأدوية والعلاجات الخاصة بهم، وصعوبة توفير الأدوات المساعدة أو صيانتها، وانعدام وسائل النقل وصعوبة الوصول إلى أي خدمة، إضافة إلى شح مقومات النظافة الشخصية. ويقول إن هذه التفاصيل الصغيرة حولت الحياة اليومية إلى معركة، حيث تصبح كل حركة عبئًا، وكل يوم أثقل من سابقه.
وعن تجربته الشخصية، يتحدث عبد الكريم بنبرة يختلط فيها الذهول بالألم. يقول إنه لم يتخيل أن يعيش هذه الظروف القاسية، خاصة خلال فترة النزوح، حيث فُقد أي شعور بالأمان، وأصبحت فكرة النجاة هي الشغل الشاغل. لم يتمكن من توفير أدويته، فاشتدت الآلام، وكرسيه المتحرك يحتاج إلى إصلاح، لكن لا قطع غيار، والكرسي الكهربائي بلا بطاريات، ما جعله عاجزًا عن الحركة أو الوصول إلى أي مكان. حتى المؤسسة التي كان يعمل فيها لم تصمد، إذ دُمّرت بالكامل، ومعها فُقد مصدر رزقه واستقراره.
ويختم عبد الكريم حديثه قائلًا إن آثار الإبادة ما زالت حاضرة في كل تفاصيل حياتهم، وإنهم رغم كل الخسارة يتمسكون بالأمل، على أمل أن تتحسن الظروف يومًا ما، وأن تتاح لهم فرصة حقيقية للعيش بكرامة وأمان من جديد.
حياة مهددة
قال أمجد الشوا، رئيس «شبكة المنظمات الأهلية» في قطاع غزة، لـ»القدس العربي»: إن «الأشخاص ذوي الإعاقة واجهوا خلال الحرب مستويات غير مسبوقة من المعاناة، حيث لم تقتصر التهديدات على القصف المباشر، بل شملت القتل والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية».
وأوضح أن التقديرات تشير إلى أربعين ألف شخص أصبحوا أشخاصًا ذوي إعاقة في قطاع غزة، من بينهم ما يقارب ستة آلاف شخص تعرضوا لبتر أطراف، في ظل واقع صحي متدهور وشح كبير في خدمات العلاج والتأهيل.
وأشار الشوا إلى أن «فقدان الأدوات المساعدة شكل تحديًا مركزيًا في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ دُمّرت أو فُقدت الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية وأجهزة السمع والبصر خلال القصف أو النزوح المتكرر، ما أفقد الكثيرين قدرتهم على الحركة والاستقلالية. كما أكد أن مخيمات النزوح ومراكز الإيواء لم تراعِ الحد الأدنى من متطلبات المواءمة، حيث غابت الممرات المهيأة ودورات المياه المناسبة، إلى جانب الاكتظاظ ونقص المياه النظيفة والطعام الملائم».
وأضاف أن «الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا يعانون أوضاعًا صعبة حتى قبل الحرب، إلا أن تدمير البنية التحتية والطرق والمرافق الصحية والتعليمية ضاعف من معاناتهم وحدّ من وصولهم إلى الخدمات الأساسية».
وقال إن النساء ذوات الإعاقة يواجهن تحديات مضاعفة، خصوصا مع غياب المستلزمات الصحية، وانعدام الخصوصية، وصعوبة استخدام الحمامات غير المهيأة داخل مراكز النزوح.
وأكد الشوا ضرورة توفير استجابة إنسانية أكثر تخصصًا وشمولًا، تتضمن مواءمة المساعدات الغذائية، وتوفير الأدوية والفيتامينات والأدوات المساعدة، ودمج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أساسي ضمن برامج ومشاريع المؤسسات الدولية، بما يحفظ كرامتهم وحقهم في الحياة الآمنة.
ويبقى الأشخاص ذوو الإعاقة في قلب الأزمة دون حماية كافية؛ إن قصتهم ليست هامشية، بل جزء أساسي من واقع إنساني يحتاج إلى رؤية عادلة واستجابة تنصف حقهم في الحياة بــكرامة.
التعليقات