إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

الاختلاس في الأردن: بين ضغط المعيشة وثغرات القانون


عمان جو- طارق ديلواني
في ظل تفاقم الأزمات المعيشية وارتفاع كلف الحياة لم تعد الضغوط الاقتصادية مجرد أرقام جامدة، بل تحولت إلى عبء يومي يثقل كاهل الأفراد.

في هذا السياق ثمة خلاف حول ما إذا كانت اتسعت رقعة ظاهرة الاختلاس المالي بصورة لافتة أم لا، حيث يجد بعض الموظفين أنفسهم بين مطرقة الحاجة وسندان القوانين، فيلجأ بعضهم تحت ضغط الوضع المعيشي إلى استغلال مناصبهم ووظائفهم كمنفذ للهرب من ضيق الحال، إلا أن هذه الظاهرة على رغم عدم قانونيتها تكشف عن جانب إنساني مهمل في المعادلة، وتكشف أيضاً عن سؤال ملح حول تبعات ضعف العدالة الاقتصادية على الدولة والمواطن.

1000 مخالفة مالية

في عام 2019 طالب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حكومته بـ"كسر ظهر الفساد"، ومحاربة كل صوره فيما رصد ديوان المحاسبة الأردني، وهو مؤسسة رقابة مالية رسمية، نحو 1000 مخالفة مالية في العامين الأخيرين، منها حالات اختلاس موثقة، بأرقام تصل إلى ملايين الدنانير، ويدور الحديث هنا عن عشرات القضايا التي تتعلق باختلاس أموال عامة وخاصة، أبرزها في البلديات والوزارات والجامعات الرسمية.

وفقاً للبيانات الرسمية المتاحة ثمة قضايا بارزة أثارت اهتمام الرأي العام الأردني ضمن الجرائم الواقعة على الإدارة العامة وقضايا الرشوة واستثمار الوظيفة.

وفي حادثة لافتة قامت محاسبة تعمل في دائرة الآثار العامة باختلاس مبلغ يقدر بمليون و62 ألف دينار أردني (87.4 ألف دولار)، وفي عام 2022 قررت محكمة بداية عمان إعفاء موظف اختلس 83 ألف دينار (117 ألف دولار) من العقوبة، نظراً إلى اعترافه بالجريمة قبل اكتشافها، أما في عام 2023 فبرزت قضية اختلاس كبرى كان أبطالها ستة موظفين وبقيمة 13 مليون دينار (18.3 مليون دولار) يعملون في البريد.

في العام الحالي 2024 تم توقيف مدير جمعية تعاونية إسكانية بعد تجاوزات مالية بقيمة قاربت مليون دولار ووجهت له جناية الاختلاس واستثمار الوظيفة وهدر المال العام، كما تم توقيف أحد موظفي وزارة الأوقاف بجناية الاختلاس من طريق التزوير، وفي قضية أخرى أوقف موظف في أحد المراكز الطبية وصدر قرار بسجنه بالأشغال الموقتة خمس سنوات لاختلاسه مليونا و25 ألف دينار (1.44 مليون دولار).

قبل ذلك بأسابيع أوقف محاسب بعدما اختلس مبلغاً يقارب 100 ألف دينار (141 ألف دولار) خلال عام من إيرادات البلدية دون توريدها لحسابها.

هل العقوبات رادعة؟

يعرف الاختلاس في القوانين الأردنية بأنه استيلاء الموظف العام على المال العام الذي في عهدته أو تحت مسؤوليته، سواء بالاستيلاء المباشر أو بتحويل المال لمصلحته الشخصية.

ووفقاً لقانون العقوبات الأردني يعاقب كل موظف عام يختلس أموالاً عامة بالأشغال الشاقة الموقتة وبغرامة تعادل قيمة ما اختلس.

وتشير المادة 174 من قانون العقوبات الأردني إلى أنه في حال اقتران الجريمة بالتزوير أو استخدام وسائل احتيالية، تشدد العقوبة لتصل إلى الأشغال الشاقة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، إضافة إلى الغرامة.

ويشير الباحث علاء الشوابكة من جامعة الشرق الأوسط الأردنية مع تصاعد الجدل في الأردن حول قضايا الفساد والمال العام إلى ضرورة الإجابة عن سؤال مفاده هل تصنف كل حالات الاستيلاء على المال العام على أنها اختلاس؟ أم أن هناك فرقاً جوهرياً بين الاختلاس وإساءة الائتمان، وهو ما قد يغير مسار المحاكمة والعقوبة، داعياً إلى إعادة ضبط المفاهيم القانونية لضمان العدالة الرادعة.

ويوضح الشوابكة أن جريمة الاختلاس تتم من قبل موظف عام، استولى على مال بصفته الرسمية، أي إن المال كان بحوزته بسبب وظيفته، بينما ترتكب إساءة الائتمان عندما يؤتمن شخص (ليس بالضرورة موظفاً عاماً) على مال بموجب عقد أو علاقة قانونية ثم يخونه.

يضيف الشوابكة أن الخطورة تكمن في أن إساءة الائتمان تحال إلى محكمة الصلح وتعامل كجنحة بعقوبة أخف، بينما الاختلاس يحال لمحكمة الجنايات الكبرى، وتعاقب بعقوبات مشددة تصل إلى الأشغال الشاقة، وأن تداخل المفهومين في الواقع العملي أدى إلى خلط قضائي وتساهل في بعض القضايا.

ويعتقد الشوابكة أن العبرة في جرائم الاختلاس ليست في إعادة المال، بل في الردع، وأن واحدة من أبرز ثغرات القانون الأردني هي أن بعض المدانين في قضايا المال العام يستفيدون من تخفيف العقوبة أو إعفائها بالكامل بمجرد إعادة المبلغ المختلس، وهو ما يفسر أحياناً شعور الرأي العام الأردني بأن هناك "مساومات" في ملفات الفساد.

أسباب اقتصادية اجتماعية

يعزو مراقبون تزايد حالات الاختلاس المالي في الأردن في السنوات الأخيرة إلى عدة أسباب اجتماعية واقتصادية متشابكة، من أبرزها تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع كلف الحياة، والغلاء المستمر، وجمود الرواتب، وكذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فضلاً عن اتساع الفجوة بين الطبقات، وهو ما يعمق الشعور بالظلم، ويؤدي إلى تبريرات نفسية واجتماعية للاختلاس لدى بعض الموظفين، بينما يراه آخرون نتيجة حتمية لضعف المساءلة وآليات الرقابة الداخلية في بعض المؤسسات، لكن ذلك لا ينفي وجود أسباب اجتماعية وثقافية كضعف الوازع الأخلاقي والرقابة الذاتية وتراجع القيم المجتمعية المرتبطة بالنزاهة، كما أن الأسباب المؤسسية من ترهل في بعض مؤسسات القطاع العام، وضعف الشفافية فيها وغياب العقوبات الرادعة خلقت بيئة خصبة للاختلاس.

يرى الباحث عبدالرحمن مهيدات أن الفساد الاقتصادي، وعلى رأسه الاختلاس لا يمكن عزله عن الإطار العام للأزمات التنموية وغياب العدالة الاقتصادية والفجوة المتزايدة بين الأدوار الرسمية والحاجات الشعبية، وهو نتيجة حتمية لضعف مؤسسات الرقابة وغياب المساءلة الفاعلة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :