إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

"المحكمة الفيسبوكية"


عمان جو _ المحامي عبدالله الزعبي

بين النظرة المجتمعية والواقع الافتراضي

تُعقد المحكمة دون إنذار أو لائحة اتهام كاملة، وغالبًا ما تكون الجريمة المتوقعة غير مكتملة الأركان، ويكون القاضي فيها لا يملك الاختصاص القضائي، وغالبًا ما تكون التهمة ملفقة بناءً على رؤية غير واضحة من جهة أو جماعة غير مؤهلة لتنظيم لائحة اتهام. فكيف تُنظَّم لوائح اتهامهم دون قرائن أو بيّنات؟

هذا ما نشاهده اليوم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتابع الكثير من الرواد بصمت وينتظرون الحكم على الحدث في فضاءٍ رقمي لا يرحم، ولا يشفع للضحية فيه. تبدأ محكمة مفتوحة، وجلساتها علنية، وتنتقل من صفحة إلى أخرى، ومن تعليق إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، وتتباين الآراء، ويكون فيها الجميع قاضيًا، والمتهم واحدًا.

وعليه، فإنها ممارسات غير مدروسة، ولا تخضع لأي منهجية، وهي دخيلة على مجتمعات متماسكة لها ثقافات وعادات وتقاليد يحكمها العرف الأخلاقي، مما ينتج عنه ثقافة غير مألوفة ومضادة تُخلّ بالثوابت والأنظمة الأخلاقية المعتادة والمتعارف عليها.

إن هذه الظاهرة معضلة حقيقية متزايدة كل يوم، تمسّ الأمن الفكري لأنظمة أصبحت مُخترقة فضائيًا، وأضحت المجتمعات هدفًا سهلًا لها. وهي تتطلّب مراجعة حثيثة والوقوف على عتبات إعادة تشكيلها من خلال رسم سياسات أكثر انضباطًا، ووضع حلول جذرية، منها ما هو توعوي.

والكثير لا يعلم ما هي الحدود القانونية لهذا التصرف إن وقع فيه، فإصدار الأحكام المسبقة دون حكم قضائي قاطع لم يثبت على الشخص يُعدّ من قبيل "الأخبار الكاذبة المجرَّمة في حال عدم ثبوت صحة الخبر"، وهذا يوقع الشخص في جريمة اجتماعية مناطها "أخبار كاذبة أو ذمّ وقدح وتحقير". وتُعتبر هذه الجريمة من نوع جنحة جزائية، وعقوبتها تتراوح من ثلاثة شهور إلى ثلاث سنوات، مع غرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار وتصل إلى عشرين ألف دينار أردني، ناهيك عن التعويض عن الأضرار المعنوية في الشقّ الحقوقي الذي يمكن أن يطالب به المتضرر من مُصدِر الأخبار الكاذبة.
وهذا كله سندًا للمادتين (15) و(16) من قانون الجرائم الإلكترونية رقم (17) لسنة 2023 المعدَّل.

ومن منظورٍ فلسفيٍّ واجتماعيٍّ، يشكّل الالتزام بالأخلاق الفضائية ركيزة أساسية لضبط سلوك الأفراد داخل الفضاء الرقمي. فالأخلاق هنا لا تقتصر على الامتناع عن الإساءة أو نشر الأكاذيب، بل تمتد لتشمل وعيًا جمعيًا يُدرك أن الكلمة في العالم الافتراضي تحمل وزن الفعل في الواقع الحقيقي. إن احترام الآخر، والتزام الموضوعية، والابتعاد عن التنمر الرقمي، تمثل تجسيدًا لمبدأ التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية. فالمجتمع الذي يعي أخلاقياته الرقمية هو مجتمع قادر على حماية نفسه من الفوضى الفكرية، وبناء فضاء تواصلي أكثر وعيًا .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :