إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

استعراضية


أحمد حسن الزعبي
كنت خريجاً حديثا، أحاول أن أملأ الفراغ بأي أفعال مفيدة غير الشهيق والزفير الذي كنت أطلقه أثناء البطالة الطازجة، وقتها كانت اهتماماتي الرياضية طفيفة للغاية فلا أميز الدوري عن الكأس عن الدرع ، كما لم يكن يعنيني من يقف على أعلى سلم الترتيب ومن يتذيّله، ولا أسماء اللاعبين، ولا كيفية احتساب النقاط ...
المهم ذات يوم مررت بالقرب من ستاد مدينة الحسن فإذا بجمهور طويل يقف في طابور الدخول إلى الملعب ،وبعض الباعة يبيعون أعلاماً وعصابات رأس وطواقي وزوامير هواء ، وترمس وفستق ووشاحات للفريقين المتبارزين... وبسبب الملل الشديد، قررت الوقوف في الطابور وقطع تذكرة، فإنه من حسن الحظ ان استطيع قتل ساعتين من الوقت بدينار واحد...جلست في واجهة الدرجة الثانية ،وبدأت أدّعي الحماسة والترقب والنظر إلى الساعة..بينما كان كل من حولي يتبادلون الشتائم اللطيفة ،والسجائر ، والمداعبات التي تخدش الحياء العام..دقائق دخل الفريقان ساحة الملعب فوقفت الجماهير وصفّقت طويلا لهم على إيقاع طبلة كانت مع أحد الشباب في أعلى المدرّج..أنا صفّقت بحماسة شديدة وحاولت أن أصفّر كما يفعل باقي الجمهور لكن لم أفلح ،حاولت تبديل الأصابع في الفم وثني اللسان جيداً ففشلت لقد خرجت صافرتي على شكل زعيق انتبه لها الجمهور الذين حولي ورمقوني بنظرات استهزاء واستصغار وبعضهم أطلق قهقهة لا تزال ترنّ في ذاكرتي...
نفّذت ركلة البداية، والجمهور ملهي بتقشير الترمس وعضّ عرانيس الذرة ، صرت أتابع الكرة بنظراتي وأميل رأسي وأقف على رجلي كلما سنحت هجمة ، كنت متحمّساً جداً فأصيح بأعلى صوتي، وألوم اللاعبين على ضياع الفرصة ..بينما ينظر الذين تحتي والذين حولي بالمدرجات بنصف عين...فأخجل وأعود إلى مكاني، وعندما أرى الحكم يحابي فريقاً على حساب فريق كنت أقف وأصيح حتى تنتفخ عروق رقبتي ويحمرّ وجهي بينما لا أحد من الجمهور يأتي بحركة ،باختصار كانوا يلتهون بتقشير الفستق وفصفصة بزر دويرة الشمس...كلما ضاعت فرصة قمت من مكاني وصرخت بأعلى صوتي وكلما سنحت فرصة ضربت على ركبتي وفغرت لائماً على ضياعها...قال أحد الجالسين خلفي مباشرة ماله هاظ؟؟..وآخر رفع صوته ليسمعني : منين طلع لنا؟...وعندما وضع الحكم ضربة مباشرة قريبة من خط ال18 ظلماً على فريقنا...قفزت من مكاني بانفعال وأنا أصيح ..مش هيك يا حكم..مش هيك يا حكم...فشدّني أحدهم من قميصي وهو جالس وقال بطولة بال عجيبة: خالي استعراضية...لم أفهم ، قلت له: شو يعني..؟؟..قال لي: المباراة استعراضية تشدّش ع حالك!!..وقتها كنت لا أفرق بين الاستعراضي والجدي وبين الودي والقتالي..أنا أعرف أن المباراة مباراة فيها فوز وفيها خسارة وتسجل للتاريخ..قال لي الرجل طويل البال بعد أن هدأت وبدأنا نتقاسم كيس الترمس خاصته : الدوري محسوم من زمان يا خالي .. بس بيلعبوا عشان الجمهور...
ومنذ ذلك التاريخ كلما صرخت بأعلى صوتي أو قمت بالاحتجاج على ضياع فرصة للوطن او احتساب ركلة ضده ضد مصلحته..تذكّرت مقولة الرجل المكوّع: خالي استعراضية.. فالنتيجة محسومة من زمان...
وغطيني يا كرمة العلي..




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :