إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية
  • الرئيسية
  • مقالات

  • الهيمنة الليبرالية الغربية وتداعيات فوضى التدخل في شؤون الدول

الهيمنة الليبرالية الغربية وتداعيات فوضى التدخل في شؤون الدول


عمان جو- المهندس سعيد المصري

في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، بات من الواضح أن النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، ثم ترسخ بقوة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يعد قادراً على مواكبة تطلعات الشعوب ولا على ضبط توازنات المصالح الدولية. فقد قادت الولايات المتحدة، بوصفها القطب الأوحد بعد نهاية الحرب الباردة، تحالفاً غربياً فرض على معظم دول العالم نمطاً من التبعية السياسية والاقتصادية، سُوّق تحت مظلة “الليبرالية العالمية” والديمقراطية، لكنه في جوهره كان نظاماً أحادياً يقوم على تفضيل المصالح الأميركية.

من الهيمنة الناعمة إلى الاستتباع القسري

عبر أدوات القوة الناعمة حيناً، وسياسات العصا والجزرة حيناً آخر، تمكنت واشنطن من إخضاع دول العالم الثالث لنمط من التبعية الاقتصادية والسياسية. تمثلت أبرز أدوات الهيمنة في ربط التجارة العالمية بالدولار، وفرض ترتيبات مالية مجحفة على الدول النفطية، أبرزها نظام “البترودولار”، الذي أجبر هذه الدول على ضخ إيراداتها في الاقتصاد الغربي من خلال شراء سندات الخزينة الأميركية أو إيداعها في البنوك الغربية.

فشل العدالة الدولية وانكشاف الازدواجية

ساهمت هذه الهيمنة، المصحوبة بانحياز غربي مطلق لإسرائيل، وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، في خلق مشاعر اغتراب وعداء متنامية داخل المجتمعات النامية، لا سيما في أوساط الشباب المتعلم، الذين باتوا يدركون حجم التناقض بين شعارات الديمقراطية الغربية والممارسات الفعلية للهيمنة الغربية.

وقد كانت الحرب الإسرائيلية على غزة، بدعم مباشر أو ضمني من عواصم القرار الغربية، لحظة فاصلة فجّرت غضباً شعبياً عالمياً، وعمّقت القناعة بعدم عدالة النظام الدولي الحالي، ما زاد من شرعية الدعوات إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

البريكس: محاولة عقلانية لإعادة التوازن

من هنا، جاء صعود مجموعة “البريكس” (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) كتعبير عن سعي عالمي متزايد لكسر احتكار القرار الدولي. هذه الدول، وغيرها من الساعية للانضمام، ترى في العقوبات الأميركية المتكررة وسيلة ابتزاز سياسي واقتصادي، يفاقم التوتر الدولي ويضرب مصالح الدول النامية. وقد فرضت واشنطن عقوبات مالية وتجارية على دول رئيسية كإيران وروسيا والصين وسوريا، مما أضر بالتجارة العالمية ورفع كلفة الإنتاج والنقل والتأمين، ليدفع المواطن الأميركي والغربي الثمن من جيبه.

مأزق الاقتصاد الغربي وتآكل الهيبة

في مقابل هذا الصعود المتعدد، يعاني القطب الغربي من مؤشرات انحدار تدريجية. فالولايات المتحدة تعاني من دين سيادي تجاوز 120٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات نمو بالكاد تبلغ 1.3٪، إلى جانب ارتفاع تكلفة المعيشة وتآكل تنافسية صادراتها. أما أوروبا، فتئن تحت وطأة أزمة الطاقة وتكاليف الحرب في أوكرانيا، وقد دخلت في حالة شبه ركود، دون أن تلوح في الأفق حلول فعالة.

مرونة البريكس وتوسع جغرافي واعد

على النقيض، تقدّم مجموعة البريكس نموذجاً مرناً في التبادل التجاري القائم على سلة عملات وطنية بديلة عن الدولار، مما أغرى أكثر من 50 دولة بتقديم طلبات انضمام، من بينها دول نفطية عربية كالسعودية والإمارات والجزائر والكويت ومصر والمغرب، إلى جانب دول آسيوية وإفريقية وأميركية لاتينية.

تفكك احتكار البترودولار

كان لافتاً الخطوات السعودية الجريئة في عقد صفقات نفطية باليوان والروبل، واستعادة علاقاتها مع إيران بوساطة صينية، مما يشير إلى بداية تحلل من اتفاق البترودولار التاريخي مع واشنطن. أما الإمارات، فلوّحت بالانسحاب من “أوبك” احتجاجاً على ضغوط أميركية تؤثر في قرارات التسعير والإنتاج.

تشكل نظام عالمي أكثر عدالة

إن صعود محور اقتصادي جديد تقوده الصين، بدعم من روسيا والهند، لا يهدف فقط إلى كسر الهيمنة الغربية، بل يطرح رؤية لنظام تجاري عالمي أكثر عدالة، حيث تنال الدول النامية حقها في تقرير خياراتها الاقتصادية. ويُتوقع أن تتكامل المشاريع اللوجستية الكبرى، مثل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والممر الاقتصادي الهندي عبر الخليج والأردن وفلسطين، لتربط آسيا بأوروبا وتخلق فضاءً اقتصادياً مشتركاً.

العالم نحو توازن متعدد الأقطاب

المشهد الدولي يتجه نحو توازن قوى جديد، قد لا يُقصي الدور الأميركي، لكنه يضعه في إطار من التنافس العادل والتكافؤ. هذا التعدد في مراكز القوة سيكون ضرورياً لمواجهة التحديات الكبرى: تغير المناخ، الاضطراب الجيوسياسي، واتساع فجوة العدالة الاقتصادية.

الفرصة الأردنية والإقليمية

بالنسبة للأردن، فإن المصلحة الوطنية تقتضي السعي لاندماج اقتصادي إقليمي يشمل كافة دول المشرق، بما في ذلك فلسطين، لبناء سوق متكاملة تتيح الاستقرار والتكامل الصناعي والخدمي، مع ضرورة تعزيز أدوات السيادة الاقتصادية ورفض منطق التبعية. كما قد يصبح من المفيد التفكير في تحالفات دفاعية لحماية الأمن الإقليمي المرتبط بمصالح التنمية المستدامة




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :