عمان جو- الدكتور محمد تيسير الطحان

من المتعارف عليه في ثقافتنا انه يجب ربِط الانسحاب بالخسارة دائمآ وكأن من ابتعد قد خضع ومن رحل قد فشل. لكن الحقيقة أكثر عمقًا وتعقيدًا من ذلك التصور والرؤيا البسيطة للامور . فليست كل المعارك تستحق القتال، ولا كل المواجهات تنتهي بانتصار يستحق الثمن.

وهنا لا بد من القول انه ليس كل من انسحب خاسرًا، فبعض الانسحابات ليست ضعفًا، بل هي نجاة من الغرق. فمثلآ عندما تنسحب من علاقة تؤذيك من بيئة تُطفئك وتطويك أو من جدال لا فائدة منه وحين تعي انك وصلت الى مرحلة متقدمة من النضج فبذلك أنت لا تهرب، بل تختار أن تحمي نفسك .

العلاقات ليست ميدان للمعارك ، ولا كل نقاش يستحق أن تخسر أعصابك وتفكيرك من أجله، ولا كل مكان يجب أن تبقى فيه فقط لأنك اعتدت وجوده .. الانسحاب من علاقة سامة ليس أنانية، والابتعاد عن أناس يقللون من قيمتك ليس قسوة، والسكوت عن جدال لا معنى ولا قيمة له ليس ضعفآ والانسحاب من بيئة تُطفئ الشغف، وتستهلك الطاقة، ليس فشلًا مهنيًا، بل حفاظًا على النفس وكل ذلك شجاعة.

وفي الختام نحن ننشأ أحيانًا ونحمل أفكارًا مغلوطة عن القوة في أن نتحمّل أن نصمت أن نواصل البقاء في أماكن تُتعبنا ونسمّي ذلك وفاءً أو تضحية لكن الحقيقة التي نكتشفها لاحقًا هي أن أعظم أنواع القوة ليست في التحمّل… بل في القدرة على الرحيل.