الهدنة في غزة على وشك الإنهيار
عمان جو_
رغم الحديث المتكرر عن الهدنة في قطاع غزة ووعود بوقف إطلاق النار، إلا أن المشهد الميداني يرسم صورة مغايرة تماما، فالقصف الإسرائيلي لا يكاد يتوقف، والحصيلة اليومية من الشهداء والجرحى تزداد، لتتحول الهدنة إلى عنوان إعلامي أكثر منها حقيقة ملموسة على الأرض.
وبينما تروج إسرائيل لذرائع "عمليات أمنية محدودة" أو "ضربات استباقية" يجد المدنيون أنفسهم الهدف الدائم لهذه الغارات التي طالت منازل ومخابز ومدارس تؤوي نازحين ومرافق طبية بالكاد تعمل.
تصر تل أبيب التي أعلنت عن قتل ضابط وجندي أمس، على أنها تحتفظ بحق الرد ضد أي نشاط لحركة حماس أو فصائل المقاومة داخل القطاع، في وقت تظهر فيه الوقائع أن أغلب الضربات لا علاقة لها بخروقات عسكرية حقيقية، بل تأتي كرسائل سياسية لإثبات الحضور العسكري ولإبقاء القطاع تحت ضغط مستمر، وبهذا الأسلوب تحافظ إسرائيل على مستوى من العنف يكفي لزعزعة الاستقرار دون أن تعلن رسميا انهيار الهدنة، وكأنها تريد "حرباً بلا حرب" تبقيها صاحبة القرار في توقيت التصعيد أو التهدئة.
الولايات المتحدة التي تتبنى علنا دور الوسيط، تبدو عاجزة عن فرض التزامات واضحة على حليفتها، بل إن بعض التصريحات الأميركية الأخيرة بدت أقرب إلى تبرير تلك الضربات بدلا من إدانتها.
هذا التناقض يفقد الوساطة مصداقيتها ويجعل أي دعوة أميركية إلى التهدئة مشروطة بحدود المصالح الإسرائيلية لا بالمعايير الإنسانية أو القانونية. أما الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فتبقى في موقع المتفرج، تكتفي بالإدانة اللفظية وتكرار الدعوات إلى "الالتزام بالهدنة"، فيما الواقع يزداد دمارا وجوعا.
وفي موازاة استمرار القصف، لم تلتزم إسرائيل بفتح معبر رفح بشكل كامل كما نصت عليه بنود التهدئة، إذ ما تزال المعابر تخضع لإغلاق متكرر وتأخير متعمد يمنع مرور المساعدات والجرحى.. هذا التعطيل يفاقم الكارثة الإنسانية ويجعل سكان القطاع رهائن للظروف الميدانية والسياسية في آن واحد، وبينما تحمل الأطراف الدولية إسرائيل مسؤولية العرقلة، ترد الأخيرة باتهامات مضادة لحركة حماس، مدعية أن الحركة تتلكأ في تسليم جثث القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا خلال المعارك الأخيرة، وأنها لم تبد جدية كبيرة في تنفيذ الشق الأمني من الاتفاق، خصوصا ما يتعلق بعدم تسليم سلاحها أو تفكيك بنيتها العسكرية، إلا أن هذه الاتهامات تستخدم سياسيا أكثر مما تخدم هدف التهدئة، إذ تتيح لإسرائيل تبريرا جاهزا لاستمرار القصف وتوسيع نطاق العمليات الميدانية.
على الصعيد الإنساني يواجه سكان القطاع كارثة متصاعدة، فالبنية التحتية مدمرة، الكهرباء نادرة والمياه ملوثة، فيما المساعدات التي وعدت بها الأطراف الراعية لا تدخل بالوتيرة المطلوبة، ومع استمرار القصف وإغلاق المعابر، تفقد القوافل الإنسانية مسارها الآمن، وتضطر فرق الإغاثة إلى تعليق أعمالها مرارا.
هذا الواقع يحول الهدنة إلى "ورقة تفاوض" تستخدمها إسرائيل للضغط، لا إلى استراحة إنسانية كما يفترض، واللافت أن تكرار الخروقات اليومية يجعل من مفهوم "لهدنة" نفسه بلا معنى، إذ كيف يمكن الحديث عن وقف إطلاق نار فيما الدخان يتصاعد فوق غزة كل صباح؟.
المنظمات الحقوقية الفلسطينية وثقت خلال الأسبوع الماضي عشرات الانتهاكات رغم سريان الهدنة، بينما تواصل إسرائيل إنكارها أو تبريرها بالادعاء أن الأهداف "عسكرية"، وفي المقابل ترفض حماس الاعتراف بأي خرق من جانبها، مؤكدة أنها تلتزم بالاتفاق ما دام الاحتلال لا يهاجم، وتتهم إسرائيل بتقويض أي أمل في تثبيت وقف إطلاق النار عبر استمرار الحصار والمجازر اليومية.
النتيجة أن ما يسمى "توقفا للحرب" لم يتحقق فعليا، بل تحول إلى مرحلة جديدة من الصراع غير المعلن، تدار بالنيران المنخفضة الوتيرة والتصريحات المتناقضة، فإسرائيل لا تريد حربا شاملة تثقلها سياسيا وعسكريا، لكنها أيضا لا تسمح بسلام فعلي يعيد لغزة أنفاسها.. وبين الرغبة في الهدوء والحاجة إلى السيطرة، تبقى الدماء الفلسطينية ثمنا يوميا لهذا التوازن المزعوم.
الشارع العربي والدولي بدوره يتابع بصمت مشوب بالخذلان، والعالم يتأقلم مع مشهد غزة كأنها منطقة خارج القانون والرحمة، ومع استمرار القصف وإغلاق المعابر، تترسخ قناعة لدى كثيرين بأن الهدنة الحالية ليست سوى غطاء سياسي لمرحلة انتقالية من الحرب، وأن الحديث عن "توقف القتال" ما هو إلا صياغة دبلوماسية لحقيقة واحدة بأن الحرب مستمرة، فقط بأسلوب أهدأ وأخطر.
رغم الحديث المتكرر عن الهدنة في قطاع غزة ووعود بوقف إطلاق النار، إلا أن المشهد الميداني يرسم صورة مغايرة تماما، فالقصف الإسرائيلي لا يكاد يتوقف، والحصيلة اليومية من الشهداء والجرحى تزداد، لتتحول الهدنة إلى عنوان إعلامي أكثر منها حقيقة ملموسة على الأرض.
وبينما تروج إسرائيل لذرائع "عمليات أمنية محدودة" أو "ضربات استباقية" يجد المدنيون أنفسهم الهدف الدائم لهذه الغارات التي طالت منازل ومخابز ومدارس تؤوي نازحين ومرافق طبية بالكاد تعمل.
تصر تل أبيب التي أعلنت عن قتل ضابط وجندي أمس، على أنها تحتفظ بحق الرد ضد أي نشاط لحركة حماس أو فصائل المقاومة داخل القطاع، في وقت تظهر فيه الوقائع أن أغلب الضربات لا علاقة لها بخروقات عسكرية حقيقية، بل تأتي كرسائل سياسية لإثبات الحضور العسكري ولإبقاء القطاع تحت ضغط مستمر، وبهذا الأسلوب تحافظ إسرائيل على مستوى من العنف يكفي لزعزعة الاستقرار دون أن تعلن رسميا انهيار الهدنة، وكأنها تريد "حرباً بلا حرب" تبقيها صاحبة القرار في توقيت التصعيد أو التهدئة.
الولايات المتحدة التي تتبنى علنا دور الوسيط، تبدو عاجزة عن فرض التزامات واضحة على حليفتها، بل إن بعض التصريحات الأميركية الأخيرة بدت أقرب إلى تبرير تلك الضربات بدلا من إدانتها.
هذا التناقض يفقد الوساطة مصداقيتها ويجعل أي دعوة أميركية إلى التهدئة مشروطة بحدود المصالح الإسرائيلية لا بالمعايير الإنسانية أو القانونية. أما الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فتبقى في موقع المتفرج، تكتفي بالإدانة اللفظية وتكرار الدعوات إلى "الالتزام بالهدنة"، فيما الواقع يزداد دمارا وجوعا.
وفي موازاة استمرار القصف، لم تلتزم إسرائيل بفتح معبر رفح بشكل كامل كما نصت عليه بنود التهدئة، إذ ما تزال المعابر تخضع لإغلاق متكرر وتأخير متعمد يمنع مرور المساعدات والجرحى.. هذا التعطيل يفاقم الكارثة الإنسانية ويجعل سكان القطاع رهائن للظروف الميدانية والسياسية في آن واحد، وبينما تحمل الأطراف الدولية إسرائيل مسؤولية العرقلة، ترد الأخيرة باتهامات مضادة لحركة حماس، مدعية أن الحركة تتلكأ في تسليم جثث القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا خلال المعارك الأخيرة، وأنها لم تبد جدية كبيرة في تنفيذ الشق الأمني من الاتفاق، خصوصا ما يتعلق بعدم تسليم سلاحها أو تفكيك بنيتها العسكرية، إلا أن هذه الاتهامات تستخدم سياسيا أكثر مما تخدم هدف التهدئة، إذ تتيح لإسرائيل تبريرا جاهزا لاستمرار القصف وتوسيع نطاق العمليات الميدانية.
على الصعيد الإنساني يواجه سكان القطاع كارثة متصاعدة، فالبنية التحتية مدمرة، الكهرباء نادرة والمياه ملوثة، فيما المساعدات التي وعدت بها الأطراف الراعية لا تدخل بالوتيرة المطلوبة، ومع استمرار القصف وإغلاق المعابر، تفقد القوافل الإنسانية مسارها الآمن، وتضطر فرق الإغاثة إلى تعليق أعمالها مرارا.
هذا الواقع يحول الهدنة إلى "ورقة تفاوض" تستخدمها إسرائيل للضغط، لا إلى استراحة إنسانية كما يفترض، واللافت أن تكرار الخروقات اليومية يجعل من مفهوم "لهدنة" نفسه بلا معنى، إذ كيف يمكن الحديث عن وقف إطلاق نار فيما الدخان يتصاعد فوق غزة كل صباح؟.
المنظمات الحقوقية الفلسطينية وثقت خلال الأسبوع الماضي عشرات الانتهاكات رغم سريان الهدنة، بينما تواصل إسرائيل إنكارها أو تبريرها بالادعاء أن الأهداف "عسكرية"، وفي المقابل ترفض حماس الاعتراف بأي خرق من جانبها، مؤكدة أنها تلتزم بالاتفاق ما دام الاحتلال لا يهاجم، وتتهم إسرائيل بتقويض أي أمل في تثبيت وقف إطلاق النار عبر استمرار الحصار والمجازر اليومية.
النتيجة أن ما يسمى "توقفا للحرب" لم يتحقق فعليا، بل تحول إلى مرحلة جديدة من الصراع غير المعلن، تدار بالنيران المنخفضة الوتيرة والتصريحات المتناقضة، فإسرائيل لا تريد حربا شاملة تثقلها سياسيا وعسكريا، لكنها أيضا لا تسمح بسلام فعلي يعيد لغزة أنفاسها.. وبين الرغبة في الهدوء والحاجة إلى السيطرة، تبقى الدماء الفلسطينية ثمنا يوميا لهذا التوازن المزعوم.
الشارع العربي والدولي بدوره يتابع بصمت مشوب بالخذلان، والعالم يتأقلم مع مشهد غزة كأنها منطقة خارج القانون والرحمة، ومع استمرار القصف وإغلاق المعابر، تترسخ قناعة لدى كثيرين بأن الهدنة الحالية ليست سوى غطاء سياسي لمرحلة انتقالية من الحرب، وأن الحديث عن "توقف القتال" ما هو إلا صياغة دبلوماسية لحقيقة واحدة بأن الحرب مستمرة، فقط بأسلوب أهدأ وأخطر.
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات




الرد على تعليق