إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

العفو العام .. لكي لا نترحم على دولة العدل والقانون!


عمان جو _فارس الحباشنة
بعد أيام من بدء الدورة العادية لمجلس النواب، نُظِّمت اعتصامات أمام مجلس النواب، وخرجت أصوات نيابية وغيرها تطالب بالعفو العام.
من حق أي نائب أو مواطن أو إعلامي أن يطالب بالعفو العام، وأن يخرج في بيان أو تصريح أو «فيسبوك لايف» ويحصد متابعات ومشاهدات عالية لتعطّش الناس إلى العفو.
ولكن، علينا إدراك أن ثمة لحظة سياسية، وهل هي مواتية لإقرار عفو عام؟ تقريبًا، في الأردن أصبحنا كل عام نشهد إقرار قانون عفو عام، ولم يمضِ على العفو السابق أكثر من عام.
الأردن بحاجة إلى ما هو أكبر من العفو العام. وفي حقبٍ سابقة من عمر الدولة الأردنية كان العفو العام يصدر في مناسبات وطنية، ويصدر بتوقيت سياسي وطني، وحسابات دقيقة اجتماعيًا وأمنيًا في شمول القضايا بالعفو العام.
من هم المستفيدون من العفو العام؟ لصوص وتجار مخدرات، وحرامية وزعران وبلطجية، وجماعة الخاوة، وسارقو المال العام، والنصّابون والمحتالون.
العفو هدية حكومية ونيابية سنوية تُقدَّم إلى مجرمي وبلطجية الأردن. وأكثر من تجربة لعفو عام أثبتت أن المشمولين بالعفو العام اليوم يعودون إلى السجن بعد أسابيع وأقل. وهناك مجرمون مصنَّفون، وفي سجلهم الجرمي جرائم خطيرة جدًا، يستفيدون من العفو العام، ويكرّرون ذات الجرائم وببشاعة أكثر إضرارًا بالأمن الاجتماعي، ويعودون إلى السجن.
وأنصح بالرجوع إلى مديرية الأمن العام، وإدارة مراكز الإصلاح، وقراءة أرقام المستفيدين من آخر عفو عام، وكم عاد منهم إلى السجون، واقترفوا جرائم أشد بشاعة وخطورة على الأمن المجتمعي.
يمكن أن الأردن أكثر دولة في العالم تُصدر عفوًا عامًا. والعفو العام ضربة في خاصرة العدالة وتطبيق القانون. فيبدو أننا ما زلنا متأرجحين في الأردن في علاقة الفرد بالعدالة والقانون والدولة. فإما نكون دولة قانون أو لا نكون، لا منطقة رمادية، ولا وقوف في الوسط، حيث إن العدالة لا تقبل أي نزاع عليها أو انتقاص من سيادتها.
ويكفي أن نتابع يوميًا أخبار الجريمة في الأردن وتقارير الأمن العام: قتل، وعنف، وعصابات، وطلب خاوات، وسرقة، واحتيال، وحرمنة. هل نحتاج إلى الإفراج عن مزيد من المجرمين وأصحاب السوابق، وإعادتهم إلى الشوارع؟
مسألة العدالة والعفو العام والجريمة في الأردن لا تحتمل مزيدًا من البحث عن شعبويات، ولا استرضاء لقواعد انتخابية.
الحكومة، من الحكمة والمصلحة الوطنية، ألّا ترضخ لضغوط النواب. العفو العام وتكرار إصدار قوانين العفو العام يعني تأسيس عقلية وثقافة ونفسية عامة تستهين بالقانون ولا تحترمه، وتقلّل من سيادة القانون، وهيبة الدولة، وتحصين وحماية الأمن الاجتماعي.
في مسارات التحديث السياسي في الأردن، هناك مواجهة حقيقية للدولة في إعادة الهيبة للقانون، وسيادته على الجميع دون تمييز أو استثناء، وإقامة دولة الحق والعدل والقانون.
ولمَن يدفعون بمبرر اكتظاظ السجون للترويج للعفو العام، فحديثهم مردود عليهم، ومبررهم عارٍ من الصحة، فالسجون لا تُحلّ أزمة اكتظاظها بالعفو العام، وخروج الآلاف من السجون بعفو ليس سوى حلٍّ جزئي وذرٍّ للرماد في العيون، إذ إنهم سرعان ما يعودون إلى السجن، ويدخل الآلاف غيرهم.
لربما أن موقفي من العفو العام وتكرار إصدار قوانين العفو العام يتقاطع مع آراء كثير من الأردنيين، ومَن يؤمنون بدولة القانون والعدل والحق، ويرون أن العفو ضربة للعدالة ومؤسساتها وسيادتها. وما هو مرعب من تكرار دعوات العفو العام أنه يكشف عن تيار عريض لا يؤمن بالعدالة والقانون، وتيار له أجندات ومصالح، ومخططه أن تبقى الدولة رخوة، وخواصرها غير متينة وسائلة.
تيار يُجيّش بشعبويات تناقض مسارات بناء الدولة، ولا أظن أن النظام السياسي الأردني يحتاج في الوقت الراهن أكثر من سيادة العدل والقانون، واستعادة الدولة لهيبتها وسلطانها العادل على الحكم والشعب بقيم المساواة.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :