الحكومة الأردنية حائرة بين التقشف وتحسين المعيشة
عمان جو – طارق الديلواني
تضخم مستمر، وتآكل في القوة الشرائية لدى الأردنيين، والتركيز الحكومي ينصب على التنمية وبرامج الحماية الاجتماعية مثل دعم الخبز والغاز والتأمين الصحي لعلاج السرطان. فما الذي تقوله أرقام الموازنة الجديدة؟
في وقت يواجه الأردن تحديات اقتصادية متعددة، أعلنت الحكومة مشروع موازنة العام المالي 2026 بعجز كبير قدر بأكثر من 3 مليارات دولار أميركي، لكن الأكثر إثارة للجدل والاستياء هو قرار عدم إدراج أية زيادة في رواتب موظفي الدولة أو المتقاعدين للعام الـ15 على التوالي، الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة في الشارع الأردني حول قدرة الأُسر على مواجهة الأعباء المعيشية المتنامية.
وعلى رغم تعهد الحكومة بعدم فرض ضرائب جديدة ورفع مستوى الإنفاق الرأسمالي لمشاريع التنمية والبنى التحتية إلى 655 مليون دينار (الدينار= 1.4 دولار)، فإن مقدار العجز يوازي نحو 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما وضع السلطات في البلاد في معادلة صعبة للموازنة بين التقشّف المالي وحقّ المواطنين في تحسين مستوى المعيشة.
وفقاً للأرقام المعلنة من الحكومة فإن إجمالي حجم الموازنة لعام 2026 التي ستحال إلى مجلس الأمة (البرلمان) للمصادقة عليه نهائياً يُقدَّر بنحو 13 مليار دينار أردني، أما الإيرادات المحلية المستهدفة فتبلغ 10 مليارات دينار، في حين أن الإنفاق الجاري (بما يشمل الرواتب والنفقات التشغيلية) نحو11.456 مليار دينار.
وتشير الأرقام ذاتها الى إنفاق رأسمالي بنحو 1.6 مليار دينار، بزيادة تقدّر بـ 230 مليون دينار عن العام السابق.
يتوقع وزير المالية عبد الحكيم الشبلي، استمرار ارتفاع النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 2.9 في المئة عام 2026، نتيجة البدء بتنفيذ مشاريع رأسمالية كبرى، مثل مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه، ومشروع السكك الحديدية، ومشاريع التنقيب ونقل الغاز، مع ثبات متوقع لمعدلات التضخم عند حدود 2 في المئة.
إنفاق على التنمية
تقول الحكومة الأردنية في مواجهة الاحتجاج على عدم رفع الرواتب، إن انفاقها للمال العام لا يزال يركّز على التنمية وبرامج الحماية الاجتماعية مثل دعم الخبز، وأسطوانات الغاز، والتأمين الصحي لعلاج السرطان. وتؤكد أنها تسعى إلى ضبط العجز، وخفض نسبة الدين إلى الناتج، وتحسين الكفاءة في الإنفاق لتحقيق استدامة مالية.
ووفقاً لتحليل صادر عن منتدى الاستراتيجيات الأردني، ينبغي أن تستخدم الموازنة ليس فقط لضبط الأرقام، بل لتعزيز النمو، وتقليص الفوارق، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
وقدّر مشروع قانون الموازنة عام 2026، نحو50 مليون دينار منحاً خارجية متوقعة للأردن في العام المقبل.
بمراجعة السجل الاقتصادي، يتضح أن آخر زيادة شاملة وفاعلة على رواتب معظم فئات القطاع العام والمتقاعدين كانت في الفترة 2010-2011. منذ ذلك الحين اعتمدت الزيادات على الترقيات الطبيعية وكلف الشواغر الجديدة، من دون زيادات شاملة لمعادلة التضخم.
ووفقاً لتحليلات اقتصادية شهدت المملكة معدل تضخم سنوياً يناهز 2.7 في المئة تقريباً خلال الـ15 عاماً الماضية، أدت الى تآكل نحو ثلث القوة الشرائية للراتب الثابت على مدى عقد ونصف العقد.
ويعود السبب الرئيسي لثبات الرواتب إلى الضغوط الهائلة على النفقات الجارية للدولة، وبشكل خاص خدمة الدين العام الذي يلتهم نسبة كبيرة من الإيرادات، إضافة إلى محاولات الحكومات المستمرة لضبط العجز المالي وتلبية متطلبات برامج الإصلاح المتفق عليها مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي.
تداعيات اقتصادية
يقول مراقبون إن قرار عدم رفع الرواتب في ظل تضخم أسعار السلع والخدمات وارتفاع فاتورة الطاقة والإيجارات سيؤدي الى تراجع القوة الشرائية لرواتب الموظفين إذا استمر التضخم بوتيرة أعلى من النمو.
كذلك فإن من التداعيات المتوقعة التحديات المعيشية التي سيواجهها أفراد الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود إثر انخفاض مستوى المعيشة وتوجه الأسر نحو تقليل الإنفاق على السلع غير الأساسية.
ويحلو للبعض وصف الموازنة الجديدة بأنها "تقشفية" من زاوية دخل الموظف، إذ تعطي الأولوية لمتطلبات الاستقرار المالي الكلي على حساب التحسن المعيشي المباشر لشريحة واسعة من المجتمع، وهو ما دفع عدداً من النواب في البرلمان لمطالبة الحكومة بتضمين موازنة 2026 زيادة عادلة لرواتب العاملين والمتقاعدين.
يعتقد نائب الأمين العام لحزب العمال الأردني قاسم القباعي، أن على الحكومة الاستجابة لمطالب زيادة الرواتب، بخاصة أن رواتب الموظفين لم يتم تغييرها منذ عام 2010 سوى تعديل العلاوات في 2019، وهي فترة زمنية طويلة جداً.
وبرر القباعي هذه المطالب بمعدل التضخم السنوي الذي يتراوح بين 4 في 5 في المئة، مما أدى إلى تآكل الرواتب وتراجع قدرتها الشرائية مقارنة بما كانت عليه قبل 15 عاماً.
يتحدث القباعي في مطالب حزبه عن زيادة الرواتب من دون لجوء الحكومة للاقتراض الخارجي وزيادة عجز الموازنة، مقترحاً تحويل 100 مليون دينار من مخصصات الطوارئ البالغة 200 مليون إلى زيادة الرواتب.
في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي مفلح عقل، أن زيادة بنسبة 5 في المئة على الرواتب قد تكلف الدولة أكثر من 500 مليون دينار، و10 في المئة قد تتجاوز المليار دينار، وهو ما سيثقل كاهل الموازنة.
يعتقد عقل أن زيادة الرواتب غير ممكنة لأنها ستزيد العجز التجاري، وستؤثر في الاحتياطي الأردني، وعلى خدمات الدولة الأساسية مثل الصحة والتعليم.
60 في المئة رواتب
وتعد فاتورة الرواتب والتقاعد بنداً رئيساً في النفقات الجارية للموازنة، ففي عام 2025، قُدِّرت قيمة مخصصات الرواتب والأجور وحقوق التقاعد المدني والعسكري لجميع موظفي الدولة والوحدات الحكومية بنحو5.843 مليار دينار، أي أن نسبة التقاعد تشكل نحو 60 في المئة من إجمالي النفقات الجارية للدولة.
أما التقديرات لموازنة 2026 فتشير إلى ارتفاع الإنفاق على الرواتب بزيادة تقريبية قدرها274 مليون دينار مقارنة بالعام الحالي، وبالاستناد إلى موازنات السنوات الأخيرة، فإن إجمالي نفقات الرواتب والأجور (بما في ذلك مخصصات التقاعد المدني والعسكري) تتجاوز6.5 مليار دينار أردني عام 2026.
بذلك تشكل الرواتب والأجور ومخصصات التقاعد أكبر بند إنفاق في الموازنة العامة، وتستهلك أكثر من نصف إيرادات الدولة المحلية، مما يضع ضغطاً كبيراً على الحكومة لضبط العجز، ويجعل الزيادة الشاملة أمراً بالغ الصعوبة مالياً.
لكن مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، يطالب بتحقيق العدالة الضريبية لأن الضرائب غير المباشرة باتت تشكل نحو 72 في المئة من الإيرادات الضريبية، مما يضع عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين، لا سيما الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل.
ويدعو عوض إلى الجمع بين سياسات رفع الأجور وتخفيض الضرائب غير المباشرة، مقروناً بإصلاحات مالية وإدارية حقيقية، لأن ذلك برأيه ينعكس مباشرة على تحسين الظروف المعيشية للأسر الأردنية، بالتالي توسع النشاط الاقتصادي وزيادة فرص العمل، مما يسهم في الحد من البطالة التي تعد من أبرز التحديات الاجتماعية في الأردن.
اندبندت
عمان جو – طارق الديلواني
تضخم مستمر، وتآكل في القوة الشرائية لدى الأردنيين، والتركيز الحكومي ينصب على التنمية وبرامج الحماية الاجتماعية مثل دعم الخبز والغاز والتأمين الصحي لعلاج السرطان. فما الذي تقوله أرقام الموازنة الجديدة؟
في وقت يواجه الأردن تحديات اقتصادية متعددة، أعلنت الحكومة مشروع موازنة العام المالي 2026 بعجز كبير قدر بأكثر من 3 مليارات دولار أميركي، لكن الأكثر إثارة للجدل والاستياء هو قرار عدم إدراج أية زيادة في رواتب موظفي الدولة أو المتقاعدين للعام الـ15 على التوالي، الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة في الشارع الأردني حول قدرة الأُسر على مواجهة الأعباء المعيشية المتنامية.
وعلى رغم تعهد الحكومة بعدم فرض ضرائب جديدة ورفع مستوى الإنفاق الرأسمالي لمشاريع التنمية والبنى التحتية إلى 655 مليون دينار (الدينار= 1.4 دولار)، فإن مقدار العجز يوازي نحو 4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما وضع السلطات في البلاد في معادلة صعبة للموازنة بين التقشّف المالي وحقّ المواطنين في تحسين مستوى المعيشة.
وفقاً للأرقام المعلنة من الحكومة فإن إجمالي حجم الموازنة لعام 2026 التي ستحال إلى مجلس الأمة (البرلمان) للمصادقة عليه نهائياً يُقدَّر بنحو 13 مليار دينار أردني، أما الإيرادات المحلية المستهدفة فتبلغ 10 مليارات دينار، في حين أن الإنفاق الجاري (بما يشمل الرواتب والنفقات التشغيلية) نحو11.456 مليار دينار.
وتشير الأرقام ذاتها الى إنفاق رأسمالي بنحو 1.6 مليار دينار، بزيادة تقدّر بـ 230 مليون دينار عن العام السابق.
يتوقع وزير المالية عبد الحكيم الشبلي، استمرار ارتفاع النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 2.9 في المئة عام 2026، نتيجة البدء بتنفيذ مشاريع رأسمالية كبرى، مثل مشروع الناقل الوطني لتحلية المياه، ومشروع السكك الحديدية، ومشاريع التنقيب ونقل الغاز، مع ثبات متوقع لمعدلات التضخم عند حدود 2 في المئة.
إنفاق على التنمية
تقول الحكومة الأردنية في مواجهة الاحتجاج على عدم رفع الرواتب، إن انفاقها للمال العام لا يزال يركّز على التنمية وبرامج الحماية الاجتماعية مثل دعم الخبز، وأسطوانات الغاز، والتأمين الصحي لعلاج السرطان. وتؤكد أنها تسعى إلى ضبط العجز، وخفض نسبة الدين إلى الناتج، وتحسين الكفاءة في الإنفاق لتحقيق استدامة مالية.
ووفقاً لتحليل صادر عن منتدى الاستراتيجيات الأردني، ينبغي أن تستخدم الموازنة ليس فقط لضبط الأرقام، بل لتعزيز النمو، وتقليص الفوارق، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
وقدّر مشروع قانون الموازنة عام 2026، نحو50 مليون دينار منحاً خارجية متوقعة للأردن في العام المقبل.
بمراجعة السجل الاقتصادي، يتضح أن آخر زيادة شاملة وفاعلة على رواتب معظم فئات القطاع العام والمتقاعدين كانت في الفترة 2010-2011. منذ ذلك الحين اعتمدت الزيادات على الترقيات الطبيعية وكلف الشواغر الجديدة، من دون زيادات شاملة لمعادلة التضخم.
ووفقاً لتحليلات اقتصادية شهدت المملكة معدل تضخم سنوياً يناهز 2.7 في المئة تقريباً خلال الـ15 عاماً الماضية، أدت الى تآكل نحو ثلث القوة الشرائية للراتب الثابت على مدى عقد ونصف العقد.
ويعود السبب الرئيسي لثبات الرواتب إلى الضغوط الهائلة على النفقات الجارية للدولة، وبشكل خاص خدمة الدين العام الذي يلتهم نسبة كبيرة من الإيرادات، إضافة إلى محاولات الحكومات المستمرة لضبط العجز المالي وتلبية متطلبات برامج الإصلاح المتفق عليها مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي.
تداعيات اقتصادية
يقول مراقبون إن قرار عدم رفع الرواتب في ظل تضخم أسعار السلع والخدمات وارتفاع فاتورة الطاقة والإيجارات سيؤدي الى تراجع القوة الشرائية لرواتب الموظفين إذا استمر التضخم بوتيرة أعلى من النمو.
كذلك فإن من التداعيات المتوقعة التحديات المعيشية التي سيواجهها أفراد الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود إثر انخفاض مستوى المعيشة وتوجه الأسر نحو تقليل الإنفاق على السلع غير الأساسية.
ويحلو للبعض وصف الموازنة الجديدة بأنها "تقشفية" من زاوية دخل الموظف، إذ تعطي الأولوية لمتطلبات الاستقرار المالي الكلي على حساب التحسن المعيشي المباشر لشريحة واسعة من المجتمع، وهو ما دفع عدداً من النواب في البرلمان لمطالبة الحكومة بتضمين موازنة 2026 زيادة عادلة لرواتب العاملين والمتقاعدين.
يعتقد نائب الأمين العام لحزب العمال الأردني قاسم القباعي، أن على الحكومة الاستجابة لمطالب زيادة الرواتب، بخاصة أن رواتب الموظفين لم يتم تغييرها منذ عام 2010 سوى تعديل العلاوات في 2019، وهي فترة زمنية طويلة جداً.
وبرر القباعي هذه المطالب بمعدل التضخم السنوي الذي يتراوح بين 4 في 5 في المئة، مما أدى إلى تآكل الرواتب وتراجع قدرتها الشرائية مقارنة بما كانت عليه قبل 15 عاماً.
يتحدث القباعي في مطالب حزبه عن زيادة الرواتب من دون لجوء الحكومة للاقتراض الخارجي وزيادة عجز الموازنة، مقترحاً تحويل 100 مليون دينار من مخصصات الطوارئ البالغة 200 مليون إلى زيادة الرواتب.
في المقابل، يرى المحلل الاقتصادي مفلح عقل، أن زيادة بنسبة 5 في المئة على الرواتب قد تكلف الدولة أكثر من 500 مليون دينار، و10 في المئة قد تتجاوز المليار دينار، وهو ما سيثقل كاهل الموازنة.
يعتقد عقل أن زيادة الرواتب غير ممكنة لأنها ستزيد العجز التجاري، وستؤثر في الاحتياطي الأردني، وعلى خدمات الدولة الأساسية مثل الصحة والتعليم.
60 في المئة رواتب
وتعد فاتورة الرواتب والتقاعد بنداً رئيساً في النفقات الجارية للموازنة، ففي عام 2025، قُدِّرت قيمة مخصصات الرواتب والأجور وحقوق التقاعد المدني والعسكري لجميع موظفي الدولة والوحدات الحكومية بنحو5.843 مليار دينار، أي أن نسبة التقاعد تشكل نحو 60 في المئة من إجمالي النفقات الجارية للدولة.
أما التقديرات لموازنة 2026 فتشير إلى ارتفاع الإنفاق على الرواتب بزيادة تقريبية قدرها274 مليون دينار مقارنة بالعام الحالي، وبالاستناد إلى موازنات السنوات الأخيرة، فإن إجمالي نفقات الرواتب والأجور (بما في ذلك مخصصات التقاعد المدني والعسكري) تتجاوز6.5 مليار دينار أردني عام 2026.
بذلك تشكل الرواتب والأجور ومخصصات التقاعد أكبر بند إنفاق في الموازنة العامة، وتستهلك أكثر من نصف إيرادات الدولة المحلية، مما يضع ضغطاً كبيراً على الحكومة لضبط العجز، ويجعل الزيادة الشاملة أمراً بالغ الصعوبة مالياً.
لكن مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، يطالب بتحقيق العدالة الضريبية لأن الضرائب غير المباشرة باتت تشكل نحو 72 في المئة من الإيرادات الضريبية، مما يضع عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين، لا سيما الفئات المحدودة والمتوسطة الدخل.
ويدعو عوض إلى الجمع بين سياسات رفع الأجور وتخفيض الضرائب غير المباشرة، مقروناً بإصلاحات مالية وإدارية حقيقية، لأن ذلك برأيه ينعكس مباشرة على تحسين الظروف المعيشية للأسر الأردنية، بالتالي توسع النشاط الاقتصادي وزيادة فرص العمل، مما يسهم في الحد من البطالة التي تعد من أبرز التحديات الاجتماعية في الأردن.
اندبندت




الرد على تعليق