إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

أطفال النفايات" في الأردن في مواجهة قسوة الواقع"  


 

عمان جو – طارق الديلواني

في قلب التجمعات الحضرية بالعاصمة عمان، حيث يختلط صوت الحياة اليومية بضجيج المركبات، تنوء أيادٍ صغيرة يفترض بها أن تكتب في دفاتر الدرس بأكياس القمامة في جزء مهمش من سلسلة تدوير غير نظامية، يعملون في بيئة شديدة الخطر وغير صحية، ويكافحون لجمع بضع كيلوغرامات من البلاستيك أو الخردة مقابل دنانير قليلة، على حساب صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.

أصبح "أطفال النفايات"، وهو مصطلح يشير إلى مهنة نبش حاويات القمامة، جزءاً مريراً ومشهداً يومياً في الأردن، مع تزايد عدد العاملين في هذه المهنة الخطرة، مدفوعين بعوز الأهل وتفاقم الأزمة الاقتصادية.

ففي قلب التجمعات الحضرية بالعاصمة عمان، حيث يختلط صوت الحياة اليومية بضجيج المركبات، تنوء أيادٍ صغيرة يفترض بها أن تكتب في دفاتر الدرس بأكياس القمامة في جزء مهمش من سلسلة تدوير غير نظامية، يعملون في بيئة شديدة الخطر وغير صحية، ويكافحون لجمع بضع كيلوغرامات من البلاستيك أو الخردة مقابل دنانير قليلة، على حساب صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.

فقر أم استغلال؟

يرى مراقبون أن ظاهرة "أطفال النفايات" ليست فقط نتيجة الفقر، بل هي مؤشر إلى تصدع في شبكات الحماية الاجتماعية والاقتصادية التي عجزت عن فهم الواقع المعيشي القاسي لهؤلاء الأطفال الذين تم حرمانهم بصورة قسرية من حقهم في التعليم والنمو الطبيعي. 

فثمة عيون مرهقة سبقت عمرها، وملابس رثة تخفي آثار العمل الشاق الذي بات خياراً وحيداً، وسط حديث عن وجود شبكات استغلال غير نظامية تستفيد من هذه العمالة الرخيصة على وقع القصور والفجوات في التشريعات وآليات إنفاذ القانون.

تصنف وزارة العمل ظاهرة نبش النفايات ضمن أسوأ وأخطر أنواع عمالة الأطفال، ووفقاً للناطق الإعلامي للوزارة محمد الزيود، فإن هذه المهنة خاضعة لقانون الأحداث في وزارة التنمية الاجتماعية، ولا تتبع قانون العمل لأنه معني بالمنشآت فقط. 

يؤكد الزيود أن الوزارة لا تستطيع التفتيش على هذه القطاعات ويقتصر جانب الرقابة فيها على الأطفال العاملين في المنشآت المشمولة بأحكام قانون العمل الأردني. 

إصابات وإرهاق 

من ناحية ثانية تكشف دراسة لمؤسسة إنقاذ الطفل حول واقع الأطفال الذين يعملون في نبش النفايات عن أن 77 في المئة من الأطفال الذين شملتهم الدراسة يعانون إرهاقاً شديداً في حين تعرض 60 في المئة منهم لإصابات خلال قيامهم بعملهم.

وتظهر النتائج أن الأطفال العاملين في نبش النفايات يواجهون أخطاراً عدة من بينها الجروح والحروق وحوادث العمل والاعتداءات الجسدية والتحرش، وتظهر أيضاً أن السبب الأساس للجوء هؤلاء الأطفال إلى هذا النوع من العمل هو الضائقة الاقتصادية، بالنظر إلى أن متوسط دخل أسر هذه الأطفال لا يزيد على 200 دولار شهرياً، 40 في المئة منها يأتي به الأطفال نابشو الحاويات. 

أرقام الدراسة توضح أيضاً أن ما يقارب نصف الأطفال العاملين في نبش النفايات تراوح أعمارهم ما بين 12 و14 سنة، 87 في المئة منهم ذكور، وغالبيتهم من الأردنيين.

وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة إنقاذ الطفل في الأردن دانا عريقات إن ظاهرة استغلال الأطفال موجودة في قطاعات عدة، لكن قطاع نبش النفايات يعد الأخطر نظراً إلى طبيعة العمل المرتبطة بفرز النفايات ومعالجتها وسط بيئة غير آمنة، مشيرة إلى الأثر النفسي والاجتماعي لهذه الظروف كالسلوكيات غير الصحية مثل التدخين أو الانعزال. 

وتؤكد دراسة حديثة للمؤسسة أن معظم الأطفال العاملين بنبش النفايات يبدأون العمل من عمر 6 سنوات، وكثير منهم غير قادر على تمييز السن الذي بدأ به بالعمل.

وبحسب الدراسة فإن العمل في هذا المجال يتسم بأنه عائلي يدخل به أفراد الأسرة، ووفقاً لمديرة الإعلام في المؤسسة نادين النمري، استغرقت الدراسة عاماً كاملاً وشملت مقابلات معمقة مع الأطفال أنفسهم، والأهالي، وتم التركيز على مناطق الزرقاء، والرصيفة، وشرق عمان، وهي المناطق التي تشهد وجوداً كثيفاً للأطفال العاملين في هذا المجال. 

تؤكد النمري وجود الطابع العائلي لعمل الأطفال في هذه المهنة وارتفاع نسبة الاعتماد على الأبناء، إذ إن الغالبية العظمى من الأطفال ورثوا هذه "المهنة" من آبائهم وأمهاتهم، مما يجعلها جزءاً من الثقافة العائلية في الأسر الهشة اقتصادياً. 

وتشير النمري إلى تقسيم غير رسمي للأحياء والمناطق بين الأطفال، حيث يتعرض بعض الأطفال الأصغر سناً للضرب إذا ما دخلوا إلى مناطق "محسوبة" لشخص آخر، وهو ما يشابه تراتبية السيطرة في قضايا التسول، لكن الدراسة لم تجزم بأنها "جريمة منظمة" بقدر ما هي عمل عائلي متوارث. 

قوانين غير نافذة 

يصنف قانون الأحداث الأردني الأطفال العاملين في نبش النفايات ضمن فئة المحتاجين للحماية والرعاية، بينما تكفل القوانين الأخرى حق الأطفال في التعليم والصحة والحماية من الاستغلال والإساءة وحظر عملهم، بخاصة في المهن الخطرة. 

لكن إنفاذ هذه التعليمات يواجه تحديات كبرى، إذ ينص قانون العمل الأردني على حظر تشغيل الأطفال الذين لم يكملوا سن الـ16، ويحظر على أصحاب العمل تشغيل الأحداث (من 16 إلى 18 سنة) في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة، والتي يصنف عمل جمع القمامة ضمنها بلا شك.

اندبندت




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :