إتصل بنا من نحن إجعلنا صفحتك الرئيسية

اقتصاد المناسبات في الأردن .. وجاهة الأفراح والمآتم


عمان جو- طارق ديلواني
في بلد مثقل بالأعباء الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، ظل الأردنيون أوفياء لطقوسهم الاجتماعية المختلفة من أعراس وجنازات وولائم كعمود فقري في النسيج الاجتماعي، لا يلين أمام الضغوط المالية.

فثمة ملايين تدار اليوم بين الأفراح والأتراح، وتشكل اقتصاداً موازياً وثقافة اجتماعية تحولت إلى رافعة اقتصادية، لكن في المقابل ثمة خشية من تأثير هذا النوع من الاقتصاد في التوظيف، والسيولة، والادخار، والتوازن بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، وظهور "قطاعات شبحية" تنمو في الظل، وتعزز الفوارق الاجتماعية، وترهق الأسر الاقتصادية المتوسطة.

الأعراس تضخ الملايين وتراكم الديون
تعد الأعراس في الأردن قاطرة "اقتصاد المناسبات"، فهي ليست مجرد احتفالات اجتماعية عابرة، بقدر ما تمثل دورة اقتصادية مصغرة تشارك فيها قطاعات واسعة من صالات، ومطاعم، ومحلات المجوهرات، ومصورين، وحتى البنوك.

وتقول تقديرات غير رسمية إن الإنفاق على الأعراس يبلغ ملايين الدولارات سنوياً، على رغم كونه يعتمد بالدرجة الأولى على التمويل من القروض والديون، مما يحول الفرحة إلى أعباء طويلة الأمد.

وتشير دراسات محلية إلى أن تكلفة الزواج المتوسط في الأردن تبدأ من 16 ألف دولار وتمتد في بعض الطبقات الاجتماعية الميسورة إلى أرقام أكبر، في ظل غياب إحصاءات حكومية رسمية وشاملة حول متوسط تكلفة الزواج الكلية.

لكن بعض المسوحات الإعلامية والدراسات الاجتماعية تشير إلى أرقام كبيرة جداً، وتتحدث عن كلفة زواج مرهقة للشباب ذوي الدخل المحدود والمتوسط قد تصل إلى 30 ألف دولار أميركي، بالنظر إلى الكثير من التفاصيل والأعباء التي تترتب على المقبلين على الزواج كعقد الزواج والمهر وشراء الذهب وتجهيزات الحفل والأثاث.

إذ إن متوسط المهور على سبيل المثال لا يقل اليوم عن 5 آلاف دولار، بينما تتطلب التكاليف الأخرى قائمة طويلة من المصاريف والالتزامات، وهو ما يفسره مراقبون بثقافة المظاهر الاجتماعية وتقبل الديون التي تدفع الأسر إلى المغالاة والإسراف، حتى لو كان ذلك على حساب المستقبل المالي للزوجين. وهو ما يؤدي أيضاً إلى تفاقم ظاهرة الاقتراض، حيث يلجأ الشباب إلى القروض الشخصية لتمويل أعراسهم، مما يُثقل كاهلهم بالديون قبل بدء حياتهم الزوجية.

في المقابل يتحول هذا العبء الاقتصادي إلى مشكلة اجتماعية بعزوف الشباب عن الزواج أو تأخر سن الزواج. ويرى كثيرون أن تأمين هذه التكاليف في ظل تدني متوسط الأجور وارتفاع معدلات البطالة بات "حلماً صعب المنال".

استعراض اجتماعي
ويدور الحديث عن ثقافة "الجاهة الكبيرة" والولائم الفخمة التي تضغط على العائلات، وتجعل التباهي معياراً حتى على حساب الاستقرار المالي.

بينما يعتقد مختصون أن مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير أسهموا في رفع سقف التوقعات لدى الشباب، إذ يسعى العديد من الأزواج الجدد إلى تقليد حفلات فاخرة ومكلفة شاهدوها على المنصات الرقمية، بما في ذلك حضور فنانين عالميين أو إقامة تنسيقات مذهلة داخل القاعات.

ويرى الخبير في علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش أن المبالغة في الإنفاق على المناسبات الاجتماعية باتت ظاهرة تعمّق الفجوة بين الطبقات. ووسيلة لاستعراض المكانة ومحاولة الانتماء إلى شريحة اجتماعية أعلى، ما يجعلها إنفاقاً غير منتج يتلاشى بمجرد انتهاء الحدث.

ويشير عايش إلى أن كثيراً من العائلات تُثقل كاهلها بمصاريف تفوق قدراتها وقد تصل تكاليف حفلة واحدة إلى ما يتجاوز الدخل السنوي للأسرة.

ويضيف عايش أن العلاقات الاجتماعية اليوم أصبحت محكومة بالعامل الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، حيث غدت المناسبات ساحة لإبراز القدرة المالية والمكانة الاجتماعية، وهو ما يتناقض مع روح المشاركة والتكافل ويحولها إلى طريقة لتعويض الشعور بالنقص، وتوجيه رسائل للمحيط الاجتماعي أو إظهار مظاهر رفاهية زائفة.

مشروع مقلق
يقول متخصصون بقطاع حفلات الأعراس إن الزواج أصبح مشروعاً مقلقاً يحتاج إلى خبرة ودراية وحذر كما يؤكد أحمد علاونة الذي يعمل كمهندس صوت ومنظم حفلات سابق، ويشير إلى أن الأعراس سابقاً كانت بسيطة متواضعة لكنها اليوم صارت بحاجة ماسة إلى جهات منظمة ومخططة لهذه الحفلات.

يؤكد علاونة أن الاعتماد على منظمي حفلات الزفاف أصبح ضرورة، إذ يقوم المنظم بتنسيق القاعة، الموسيقى، الإضاءة، الورود، والطعام ضمن باقات محددة، ويختلف السعر بحسب مستوى الخدمة، ما يضمن للعروسين تنظيماً سلساً ومريحاً، ولكن بتكلفة إضافية واضحة.

ويضيف "في السابق، كان الشخص يطلب مساعدة صديق أو قريب في تنسيق الحفل، أما اليوم فالأمر أصبح تجارة واستثماراً قائماً على استغلال الحماسة وحاجة العروسين لتنظيم احتفال كامل".

كذلك بدأت بعض العائلات بتغيير نمط الحفلات، إذ لجأ كثيرون إلى إقامة حفلات الزفاف في المزارع بدلاً من الفنادق، لخفض التكاليف مع الحفاظ على مستوى الخدمة. ومع ذلك، تبقى المزارع مكلفة نسبياً خلال الصيف، لكنها توفر بدائل اقتصادية أكثر مقارنة بفنادق الخمس نجوم.

زواج مصغّر
على المنوال ذاته يشهد الأردن تحولاً اجتماعياً بطيئاً ولكنه ملحوظ، إذ بدأ جيل الشباب، المثقل بالديون وارتفاع تكاليف المعيشة، يبحث عن مخرج من دائرة التباهي الاجتماعي والمغالاة في الأعراس. وأسفر ذلك عن ظهور أنماط زواج "مُصغّرة" واقتصادية تهدف إلى اختزال التكاليف مع الحفاظ على جوهر المناسبة.

وهي احتفالات تتميز بانخفاض عدد المدعوين، وغالباً ما يقتصر الحضور على الأهل المقربين والأصدقاء المقربين فقط.

ويلجأ البعض في حالات محدودة إلى الزواج المدني البسيط، بحيث يتم التركيز على عقد القران كحدث رئيسي، وإقامة وليمة غداء أو عشاء بسيطة في مطعم أو منزل من دون حفل صاخب.

لكن هذه الأنماط لا تزال تواجه تحدياً في المناطق التي تتمسك بـ "ثقافة الجاهة الكبيرة" وضرورة إظهار القدرة المالية والاجتماعية من خلال عدد المدعوين والمظاهر الفخمة.

تتمتع سهى حداد بخبرة تتجاوز 15 عاماً في مجال تنظيم المناسبات، وتشغل منصب المديرة التنفيذية لشركة متخصصة في إدارة حفلات الزفاف وغيرها من الفعاليات الخاصة.

وتقول إن عملها يقوم على تشاركية مع صالونات التجميل ومتاجر الأزياء الرجالية والنسائية ومكاتب تأجير السيارات، ما يتيح للعروسين الحصول على أسعار أقل ويضمن حمايتهم من محاولات الاستغلال.

تقدم سهى خدمات وتفاصيل يكون العروسان في غنى عن الانشغال بها، وتؤكد أن ثمة اتجاهاً متزايداً للاستعانة بخدمات Wedding Planner في السنوات الأخيرة، وتوضح أن ما يقارب 70 في المئة من الأزواج باتوا يعتمدون على منسق حفلات.

أرقام تتحدث
يعتقد مراقبون أن المناسبات لم تعد مجرد أحداث اجتماعية، بل هي محركات اقتصادية ضخمة تحرك قطاعات القاعات والفنادق والتموين والتصوير والأزياء والموسيقى. كذلك الجنازات تدفع باتجاه خدمات العزاء، والطعام والتجهيزات. في حين أن الولائم والجاهات تشهد نشاطاً متسارعاً في قطاع المطاعم والذبائح والمزارع، بما يعني وجود اقتصاد مواز يعيش على إيقاع الفرح والحزن معاً.

وفق دائرة الإحصاءات العامة، سُجل في الأردن عام 2022 نحو 63834 عقد زواج، تراجع في 2023 إلى 59772 عقداً، بينما يقدر عدد الوفيات سنوياً بنحو 34700 وفاة استناداً إلى معدل وفيات يقارب 3 في الألف.

ومن الصعب وضع رقم ثابت لتكلفة الأعراس الإجمالية في الأردن، لكن التقديرات الميدانية تعكس ثلاثة مستويات بالنظر إلى المستوى الاقتصادي والفاخر والمتوسط لهذه الأعراس، ويبلغ مجموع هذه التكاليف وفق هذه التصنيفات اقتصاداً ضخماً بنحو 800 مليون دولار سنوياً.

على صعيد الجنازات يبدو الوضع أقل كلفة، فاستناداً إلى معدل وعدد الوفيات سنوياً يمكن الحديث عن تكاليف وأرقام تناهز 60 مليون دولار تقريباً.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة عمان جو الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق :
تحديث الرمز
أكتب الرمز :